بقلم : صلاح هنية
أسبوعٌ مضى على واقعة إطلاق النار على قوات الأمن احتجاجاً على الإغلاق الوقائي، وذات الأسبوع انقضى على حملة التوعية «وصلنا نقطة الأشغال الكامل لأسرّة المستشفيات وأجهزة التنفس وغرف العناية»، وتفاعل الكل مع هذه الوقائع لمن هو مهتم بالشأن العام بعيداً عن الموتورين الذين يفرحون بأي واقعة سلبية، وعن البعيدين عن حضن الوطن، وتفاعل الأطباء والصيادلة بنشر الوعي بوسائل مختلفة لدق ناقوس الخطر من الوضع الوبائي وتوابعه.
مصيبتنا أننا نطوي الصفحة سريعاً، ونجعل الرأي العام يشعر أن كل هذه المواضيع للاستخدام وليست قضايا مفصلية «أين وصل ملف إطلاق النار على قوات الأمن؟!!!» «لماذا خرجت قرارات الحكومة مختلفة عن التوعية بخطورة الوضع الوبائي وارتفاع الإصابات وإشغال الأسرّة وعدم وجود شواغر؟» «لماذا سبق بعض أعضاء الغرف التجارية الصناعية الزراعية قرارات الحكومة بالتلويح بخطورة الإغلاق الشامل، نتيجة لجلوسهم على طاولة النقاش مع الحكومة ومن ثم التلويح بعكسها ليظهروا انهم مؤثرون؟».
طوينا الصفحة وغابت مكونات المجتمع من الوقوف على قلب رجل واحد ضد أولئك الذي يتسترون بالعشائر وهي منهم براء، ولا يعلم أولئك المتسترون أن رجالات العشائر في بداية الثمانينات يوم عزل الاحتلال رؤساء البلديات وفجر مركباتهم، وقبل ذلك بسنوات عندما أبعد رؤساء البلديات في الخليل وحلحول والبيرة، كانوا حاضرين وطنياً ووقوفاً مع الموقف الوطني العام، وكذا الحال في الانتفاضة الأولى ولم يكونوا يوماً مصدر توتير أو انقسام مجتمعي أو إساءة لمكون من مكونات المجتمع، خصوصاً المرأة والشباب، وهناك عشرات الوثائق التي تؤرخ لدور رجال الإصلاح العشائري في الانتفاضة الأولى ودورهم في إسناد لجنة التوجيه الوطني ذراع منظمة التحرير الفلسطينية في الوطن، وحضورهم مع أمير القدس فيصل الحسيني في بيت الشرق أيضاً.
طُويت الصفحة وارتفع الصوت عالياً من قواعد العمل الوطني بضرورة تحرك القيادات الحركية والتنظيمية لوأد الفتنة والتعبئة والتوجيه للمجتمع الذي وقف مشدوداً بانتظار ما الذي سيحدث في وجه التأسيس لحالة انقسام وشرذمة، تحت يافطة خطيرة ومرعبة، صحيحٌ أن البلديات والغرف التجارية والمؤسسات وقفت الى جانب الموقف الوطني ضد الخطر، خصوصاً أن العنوان الاقتصادي حاول البعض استغلاله لضرب مناعة الوطن، فوقفت البلديات والغرف التجارية الموقف الصحيح.
وكان طبيعياً أن نتفاجأ من إجراءات الحكومة الوقائية الجديدة بعد كل المعطيات عن خطورة الوباء وأعداد الوفيات والمصابين والتوثيق للآلالم المصابين بـ «الكورونا» عبر التلفزيون الرسمي بهدف توعوي وضغط على المروّجين أنه لا يوجد «كورونا»، نعم نتفاجأ من إجراءات لا تحاكي درجة الخطورة التي أسس لها على مدار الأسبوع الماضي، وبات كل من يتحدث عبر الإعلام يهدد اننا سنصل الى المفاضلة بين من نستطيع ان نضعه على سرير الشفاء، وبين من لا نستطيع لعدم توفر جهاز الأوكسجين والسرير.
ولعل جولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن أولئك الناشطين الذين لا يتركون شاردة ولا واردة الا ويكتبون عنها ويعلقون عليها، سواء رمشة الكهرباء أو مظلة لتظلل مراجعي مراكز الفحص لـ «الكورونا» أو اللبن، ولكنهم بل غالبيتهم حتى نكون أكثر دقة لم يتعاطوا مع الخطر الداهم من واقعة إطلاق النار على شباب الأمن، وحتى أولئك الذين ينتظرون هفوة صغيرة حتى ينقضوا عليها، فلم يعقبوا بل ذهبوا الى التعازي والمجاملات على غير عادة.
لماذا لم يشكَّل رأيٌ عام ولم يسعَ الساعون عادة لتشكيل رأيٍ عام مضاد؟
وهنا تظهر المأساة وكأن هناك مايسترو يقود الجوقة ليظهر براعة بعض العازفين المبتدئين، وبدلاً من الموجة المضادة ذهب هؤلاء لإثارة نعرات مناطقية جديدة، مستغلين الجو العام بدلاً من نزع فتيل القائم، طبعاً نحن لسنا أقل منهم نستطيع أن نكون هم، وعندما تقع الأمور في رأسهم يقولون «إحنا معكم»، وكأن المواقف الحساسة هكذا تشكل وتصنع وتشهر، ولله الحمد يخرج علينا ذات القطاع الخاص بذات الشركات والبنوك والصناعيين والتجار بتقديم ما عليهم من مسؤولية مجتمعية.
وعادةً ما تكون الأمور موجهة ضد رام الله، وكأنها رجسٌ من عمل الشيطان، وهي الأسهل من تشكيل رأي عام مضاد لتفتيت المجتمع والاعتداء على رجال الأمن وإثارة نعرات مناطقية، ولا أريد بالمطلق أن انجرَّ لمربعهم.