بقلم : صلاح هنية
ظلت النخب السياسية الفلسطينية تعتقد أن الجماهير تحرك عبر المحرك عن بُعد، وأنها كم عددي يستخدم كلما وقعنا في أزمة سياسية أو اقتصادية تنموية تمويلية، أو أزمة تعزيز الشرعية الانتخابية، حيث توقف النظر الى الجماهير على الأقل منذ الانتفاضة الاولى 1987 على انها زخم استراتيجي وأداة كفاحية قادرة على تحقيق تحولات وتغيرات مهمة، وبتنا نقول: لدينا جماهير كبيرة ونحن الجماهير، وآخرون يقولون إن عمودنا الفقري العمال والفلاحون، وفي نهاية اليوم يكونون جميعهم عدداً في نظر النخب وليسوا مخزوناً استراتيجياً.
اليوم نحن في أزمة وباء وأزمة مالية (سندنا الجماهير ورأس مالنا وعي المواطن) نقطة وسطر جديد، ومن ثم ننفض صوب شأن آخر، الاستيطان يتعاظم والمستوطنون يعتدون على شعبنا (يا جماهير شعبنا لنصعد قمم الجبال ونحمي الارض) لا يهم كيف وما هي الرؤية الاستراتيجية. لهذا لا نقلل بالمطلق من أهمية النضال الجماهيري الموحد ضد الاحتلال ومستوطنيه، ولكن النخب السياسية والقوى لا تعاظم ولا تراكم من أجل تحقيق مبدأ أن الجماهير هي الحضن الدافئ والحامي للمفاصل التاريخية في مسيرة شعبنا، بل تصر أن تعود الى ما كانت عليه عندما تنتهي الأزمة.
لم يعد مقبولاً أن تحول الناس الى أرقام وكم فقط، ونقول قاعدتنا الانتخابية كذا ونغدق عليها بالوعود، وعندما يبدأ العمل نجد وكأن هذه القاعدة الانتخابية قد تبخرت ونبحث عن فئات أخرى لا تثري ولكن تستفيد أكثر، وهذا ما يعزز انعدام الثقة والمبالغة في جلد الذات والحساسية من اي طرح، سواء تم المباشرة في اعمال إعادة تأهيل وتوسعة طريق أو تم الاعلان عن وعود بتوفير تمويل أو الاعلان عن مباشرة دراسات عن الطريق، فإن ردة الفعل تكون واحدة من الجمهور لأنه فقد الثقة فيتعامل مع الاحتمالات الثلاثة بذات ردة الفعل، وإن نادت بلدية باستعادة اموالها لدى وزارة المالية تكون ردة الفعل نتيجة لغياب الثقة في كل شيء ما الذي سنستفيده منها!!!!.
بقينا في مؤسسات المجتمع الاهلي نسعى لأن نعمل على ايجاد وعي مختلف وتشكيل رأي عام ايجابي من خلال سلسلة مبادرات تركز على التثقيف والتوعية، وإنجاز أشياء على الأرض والتعاون مع وزارات الاختصاص، علّنا نخرج ببارقة أمل تصنع الفرق وتزيد ثقة الجماهير والقطاعات المختلفة/ الا أننا دائماً نواجَه بسد منيع ينفذ من خلاله بعض المتطفلين على الشأن العام من بوابة: نحن نمثل كثافة سكانية ضخمة، اذا لم تسمعونا لن تكون الأمور محمودة، وإذا قدمت مؤسسة ذات مصداقية من مكونات العمل الأهلي رؤية تمثل ذات الكثافة السكانية بعلمية وموضوعية تكون الأفضلية لبعض المتطفلين على الشأن العام، وتكون الغلبة للأسف لمن يلتقط صور لكم المركبات التي تتحرك في أيام الحجر الجماعي، ولمن يلتقط صورة للمحلات المخالفة لأنه يعرف أنه يستقوي بهذا الأمر على حساب المؤسسات غير الحكومية الوازنة، التي إن صاغت موقف توجهه إيجابي وفيه استخلاصات يقال لهم (انتم جماعة محترمون لا تنجروا وراء اللي انتوا عارفينهم ونحن نعرفهم) وفي اليوم الذي يليه نجد الذين نعرفهم ويعرفونهم على المنصة!!!!
الناس محتقنة تخاف المجهول جراء الوباء، تنتظر اللقاح وتنتظر الخلاص، وتنظر صوب التنمية الشاملة وصوب رؤية واضحة، هي لا تنتقد عبثاً ولم توكل أياً كان أن يقاتل من أجلها، ولكنها تفتقد الثقة جراء هذه العوامل مجتمعة، ولأنها تسمع خطاباً فيه مفردات لا تعرفها لأنها تعاني من البطالة في أبنائها وبناتها وأخواتها واخوانها، ويلامسون نسبة الفقر المرتفعة، ويعرفون أعباء الانفاق على التعليم والصحة والغذاء، هم يعلمون أن المشاريع الصغيرة منفذ مهم والريادة كذلك، ولكنهم عندما يرون تكرار ذات النموذج وذات العناوين واليافطات في هذا الحقل، يدركون تماماً أن ما هو مخرج بات عثرة، ترى كيف يثقون بتمويل للمشاريع الصغير والمتناهية الصغر بفوائد تصل 20% واكثر، كيف يثقون بريادة، والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات لا تقوم بأعباء التعليم عن بعد والعمل عن بعد؟ فما بالنا في الريادة ومشاريعها؟ واذا ذهبنا باتجاه البيئة القانونية والتشريعية لها فالوضع اعقد.
أُشفق كثيراً على أولئك الساعين لإنجازات تستعيد الثقة وتكرار وجودهم في أكثر من موقع، وبالمقابل يتواصل السلوك الذي يعزز انعدام الثقة من خلال تغريدة عبر تويتر أو من خلال تعميم في وضع صعب ومعقد يدعو الى تعليمات كانت ممكنة في العام 1994 وليس اليوم، هناك خبراء بروتكوول وعلاقات عامة يضعون تصوراً نموذجياً يخدم استعادة الثقة، ولكن تشعر أن هناك مَن هم ربع «خالف تعرف» واتركوا الموضوع علي انا اللي بقنعهم، فنخرج من الدلف الى تحت المزراب.