بقلم : ريما كتانة نزال
علمنا أن إحدى حلقات المسلسل الكوميدي «وطن عَ وتر» أغضبت رئيس مجلس الوزراء؛ كونها تناولته ببعض المشاهد، فذهب نحو طلب إلغاء بثها على الفضائية الأردنية «رؤيا» حسب ما تردد. وهو ما أثار نقاشاً وجدلاً في أوساط الرأي العام الفلسطيني، فلماذا يغضب أصحاب الشأن لدى رؤية انعكاس الأحداث العامة وهم في بؤرتها، جادّ أو كاريكاتيري، بينما أصل الحدث صوتاً وصورة ملك العامة؟تقلبت سيرة «وطن عَ وتر» عبر السنوات منذ أول عرض على تلفزيون فلسطين عام 2011 من حيث الشكل الفني وموضوعاته عما بعدها، حيث أعجبتني حلقات المسلسل الفكاهي في سنته الأولى، لأنها تميزت بالحس النقدي للأداء الرسمي بوقع خفيف الظل. بعد سنته الأولى، هبط مستوى العروض من الزاوية الفنية ووقع في التكرار والسماجة.
في جديد «وطن ع وتر»، تراوحت حلقاته بين الجيد والرديء. لم يعد لدى فريق الإعداد الجديد نوعياً، لأن حلقات الواقع الفلسطيني بشكل عام تدور حول نفسها، بينما في المحصلة تميز الأداء عموماً بالهبوط الذي تعتمد عليه مادة الحلقات.إذاً، لمَ الغضب والمطالبة بوقف العرض رغم أن الموضوع برمته له علاقة بحرية التعبير المحصَّنة بالقانون الأساسي والكافل للحريات العامة بما فيها حرية التعبير الفني والأدبي؟هنا، وحتى لا نكون أمام الاعتياد على السوابق أو نكون على مرمى حجر من ذلك، وزيادتها تسهم في إضافة غير نوعية على تكريس اليأس والإحباط وعدم الاكتراث في الشأن العام، خاصة أن المجتمع، في عهد آخر، وقف أمام منع حلقات ذات المسلسل في العام 2011، بما يقود إلى وقف أي عمل فني أو ثقافي لا يروق لمجموعة أو أفراداً..!
هنا، عندما يصبح عدم السكوت على منع الحلقات في بلد شقيق كتوأم، نرتقي بالمجتمع ليصبح الدفاع عن حرية التعبير، وليس الدفاع عن العمل، مسؤولية مجتمعية من الطراز الأول، حماية من أن تطل أشكال أخرى من التحريم والمنع مستقبلاً.لم أر في العمل الخاص بـ»وطن عَ وتر، كارثةً تستحق المنع أو القلق، لا سيما أن وعي المواطن وحكمه على أي منتوج قرار خاص به لا عودة أو استئناف بعده، وحكم المشاهد يصدر دونما حاجة إلى فرز للمواقف، «فئة مَن مع العمل عن فئة مَن ضده»، فحكم المشاهدين هو الأقوى والأكثر فعالية وسطوة من غيره.
إشكالية المنع والحذف تتجاوز الأبعاد القانونية، إلى كونها تُشرع عقلية المنع عامة، تحفِّز القوى التي تتخذ مواقف عدوانية باتجاه جميع أنواع الفنون للقيام بدورها القمعي للأعمال القيمة والرخيصة. وقد وقع هذا سابقاً، إنه الماضي الذي لا يزال غضّاً في الذاكرة، منع إقامة حفلات وإصدار بيانات تشهيرية بفعاليات فنية بالقوة، جميعها وقفت خلفها عقلية منع وتحريم الفنون والثقافة.لا أقلل من وقع التأثير والإزعاج الذي تسببه مشاهدة الشخص المسؤول صورته في مرآة الفن الكوميدي، لأن العمل «الكوميدي» ولكي يصبح قادراً على التأثير والإضحاك، يلجأ إلى تقديم المادة في إطار من الغرابة أو المبالغة بعض الشيء أو الإضافات المشهدية الفجة والتهريجية الخارجة عن الحصافة المطلوبة، فكيف سيكون الوضع في حالة سياسية فلسطينية متردية!
النص القانوني المانح لحرية التعبير يولّد حقوقاً مختلفة: حق التعبير لصاحب العمل وحق المتلقي في احترام عقله واستمتاعه بعمل راقٍ ومفيد بعيداً عن التسطيح الممجوج، وحق إتاحة الفرصة أمام النقاد للإدلاء بدلوهم تجاه العمل من على ذات المنبر، التزاماً بأطراف المصلحة والمسؤولية في القانون، دعونا نرى ممارسات فُضلى على هذا الصعيد، سيكون لها وقع ديمقراطي بديل عن الحذف.حق النقد بمعناه العلمي المنهجي هو من الحقوق الأساسية التي لا يمكن التغافل عنها أو تحجيمها في أي مجتمع ديمقراطي، وبالتالي فإنه وضمن هذا المبدأ فمن المفترض أن تحرص السلطة التنفيذية والنخب السياسية والاجتماعية عموماً على حماية هذا الحق، وأن يتسع صدرها لسماعه بغض النظر إن كان هذا النقد يعجبها أم لا، لأنه يمثل الرأي الآخر، وأن توفِّر له البيئة السليمة والصحية لممارسته، لا سيما أن منعه غالباً ما يلحق ضرراً بالجهة التي تحظره أكثر من النقد ذاته.