بقلم : ريما كتانة نزال
يحتفي العالم حالياً بالذكرى العشرين لصدور قرار مجلس الأمن 1325، ولمن لم يطّلع على القرار، فقد صدر عن مجلس الأمن في نهاية شهر تشرين الأول من العام 2000، داعياً إلى مشاركة النساء في تحقيق الأمن والسلام، وملاحظاً الأثر الخاص للصراعات المسلحة على النساء بشكل خاص؛ حيث تبلغ نسبتهن والأطفال بواقع 80% من اللاجئين، وكذلك طالب بتوفير الحماية لهن، كما نصَّ بشكل واضح على عدم تمكين مرتكبي الانتهاكات والجرائم خلال الصراع من الإفلات من العقاب.
في ذلك الوقت من العام 2000 توخى المجلس وذهبت إرادته إلى ضحايا انفجار الصراعات العرقية والدينية والقومية في أوروبا الشرقية في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، ملاحظاً موضع الأثر على النساء كأحد أدوات الانتقام وتحقيق الانتصار.
في الذكرى العشرين، يذهب العالم النسوي تحديداً نحو قياس التقدم المحرز على صعيد تحقيق أهداف القرار بما هي أجندة المرأة والأمن والسلام. وكذلك كان الأمر في فلسطين، حيث قامت الحكومة ممثلة بوزارة المرأة كجهة رئيسية في تطبيق القرار بوضع الجيل الثاني لخطة تطبيقه.
التقدم المحرز، سأجد أنه لا يوجد مرادف فلسطيني أو معنى للتقدم على هذا الصعيد، وقد نطوي عشرين عاماً جديدة دون أن يتحقق الهدف المنشود في فلسطين، لأن المسافة بيننا وبين السلام قد أصبحت أبعد، فلا حلول قريبة في فلسطين ضمن التطورات السياسية والوطنية، خاصة بعد إعلان وبدء تطبيق «صفقة القرن» وخطة الضم على الأرض، وبسبب غياب الإرادة الدولية عن الملف الفلسطيني.
رصد التقدم المحرز دعوة صريحة لتقييم القرار ومعيقات تطبيقه أكثر منه دعوة إلى تقييم الوسائل والآليات، حيث غاص العالم عميقاً في الوسائل أكثر من الغوص في تحقيق الهدف، وربما البعض استبدل الهدف بالوسيلة على غير مجال. فالهدف من تحقيق مشاركة النساء بصنع السلام أهم من الوسائل، وحماية النساء من الاحتلال أهم من الطريق للوصول للحماية، والوقاية من الأزمات الداخلية العاصفة، خاصة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية ومنع تكراره، هو الهدف أكثر من سياق حدوثه، وتحقيق الوقاية من انفجار الأزمات الداخلية أهم من وسائل الوقاية بعد انفلاتها، حيث رصدت المجسّات والإنذارات المبكرة العلامات والإشارات علانية بأن الاقتتال والانقسام على وشك الوقوع، ووقعت المأساة بعد أن استوفى الخطاب الدموي والمشحون مداه.
وعليه، أدوات قياس تطبيق القرار 1325 كأحد قرارات الأمم المتحدة واضحة لا لبس فيها، بعيدة عن أدوات قياس تطبيق المشاريع والبرامج، فالأولى تذهب إلى تطبيق جوهري لهدف القرار ممثلاً بالسلام ارتباطاً بضمان حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، بينما الثانية تذهب إلى الأدوات والوسائل المستخدمة وفق تقييم الخطط الموضوعة وأنشطتها، بما يشعر واضعيها لدى تطبيقها وتلبيتها بالاكتفاء والرضا، بينما يضيع الهدف. إذن لنضع أدوات جديدة لتقييم التطبيق.
بعد مرور عشرين عاماً على القرار 1325، وقد طوينا الجيل الأول للخطط، وتم إعداد خطط الجيل الثاني للعمل بتطبيق القرار، نقف أمام المفارقات الصاخبة، وسنقف أمام قرار مجلس الأمن الذي قام بإسناد وإحالة مهمة شائكة كصناعة السلام إلى النساء، وهي مهمة باءت بالفشل في فلسطين إن لم نقل في العالم، لأن المشكلة في فلسطين لا تنحصر في عدم مشاركة المرأة؛ حيث استبعد من المشاركة الذكور أيضاً. استبعد أصحاب القضية من المساهمة في صنعه بسبب المشاريع التصفوية وإملاءاتها، والإمساك بجميع خيوط الحل في يد القوى المتنفذة في العالم والابتعاد فيها عن هيئة الأمم المتحدة، ولأن هذه الهيئة أصبحت غير مستقلة من جهة، ومسيطر عليها من جهة أخرى، وتعاني من الشكلية ومن تقادم أنظمتها المتبعة، خاصة من نظام حق النقض «الفيتو» الذي استخدم حوالى خمسين مرة لإفشال مشاريع قرارات لصالح فلسطين، وأصبح بمثابة سلاح يُشهر في وجه تحقيق العدالة في فلسطين.
من يتحمل المسؤولية في إعاقة تطبيق القرار في فلسطين، من نافلة القول أن الاحتلال بدعم أميركي ممّن يتصدون لكل قرار يمكن من خلاله النفاذ إلى التطبيق، لكن الهيئة التي أصدرت القرار تتحمل المسؤولية أولاً قياساً بالمهمة التي أنشأت من أجلها. لقد بدأ تراجع وانحراف هيئة الأمم المتحدة عن مهامها وفقدت استقلاليتها في العام 1991 لدى إلغائها القرار 3379 المتخذ في العام 1975 الذي اعتبر أن الصهيونية أحد أشكال العنصرية. وعلى ذلك لن يطبق القرار 1325 قبل تطبيق القرارات الدولية المتخذة ذات الصلة من 181 و194 إلى 242 و2334.
رغم الاعتوارات التي تعتري القرار، تم تبنيه من قبل الحكومة الفلسطينية في العام 2012، وكذلك من قبل المؤسسات النسوية الأهلية، ولم نكن واهمات حول قدرته على الوصول لمهمته في فلسطين، لكننا اعتبرنا أن في الأمر فرصة لتسليط الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية بحق النساء ضمن آليات المناصرة وأدوات المساءلة، واعتبرناه فرصة لبناء الشبكات الإقليمية والدولية بالتحدث من على منصة القرار بلغة مشتركة تفهمها نساء العالم لإضفاء المزيد من الزخم على نضالنا التحرري، والمساهمة السياسية والنسوية في تدويل القضية وأنه فرصة لتوسيع الاشتباك مع سياسات الاحتلال في المنابر والمحافل الدولية، واعتبرناه فرصة ضمن آلياته وإجراءاته ممثلة بالتقرير الصادر عنه في كل عام لطرح المعيقات التي تواجه تطبيق القرار في فلسطين.
بقي أن أقول: إنه لا بد لنا من تأطير المعركة الأخلاقية عالمياً مع الاحتلال في جزئية تطبيق القرار، مع المنظمات النسوية المعارضة للعنصرية والأبارتهايد، لإنعاش حركات التضامن مع فلسطين وتوسيعها، فلطالما لعبت دوراً بالغ الأهمية في النضال التحرري العالمي. ما أحوجنا حالياً إلى التركيز على الأبعاد الأخلاقية في النضال التحرري من الاحتلال، خاصة بعد حملة شيطنة النضال الفلسطيني القادمة من فوهات التطبيع وتبريره. لنناضل من أجل تحويل المعركة مع الاحتلال إلى معركة أخلاقية تشارك بها مناصرات حقوق الإنسان والمدافعات عن حق الشعوب في تقرير مصيرها وبالقانون الدولي الإنساني.