بقلم : عادل الأسطة
أنهى الروائي السوري حيدر حيدر روايته «شموس الغجر» في آب ١٩٩٧ وصدرت الطبعة الثانية منها في العام ٢٠٠٠، وتعد الرواية واحدة من أهم الروايات العربية التي تأتي على موضوع تحول اليسار العربي إلى نقيضه، فهي ترصد من خلال شابة سورية، درست في الجامعة علم النفس، تجربتها مع أبيها الذي بدأ حياته يساريا علمانيا وربى أبناءه على التحرر وعدم الخضوع إلى العادات والتقاليد، ثم سجن ولم يطلق سراحه إلا بعد أن انسحب من الحزب وخضع لرجال الطائفة الشيعية الكبار وأفكارهم ومعتقداتهم، متخليا عن ماضيه اليساري، وهو ما لم يرق لابنته راوية التي تروي حكايتها معه ومع أخيها نذير الذي يلتحق بالجيش ولا يروق له أن تكون أخته خليلة لشاب «فلسطيني مشرد وشيوعي سافل».
تعجب راوية، في الجامعة، منذ اللقاء الأول بماجد زهوان، وتنبهر به، فقد كان يدرس التاريخ ولوهلة بدا لها متعصبا وعنيفا «قالت النفس معللة حالته: الفلسطيني الجريح». ومع ذلك أحست «بأنه يحترم الآخر إذ ينصت إلى ما يقول»، وحين تتهافت عليه تتساءل عن السبب، فهو «رجل غارق في بحار همومه ومنافيه ومسؤولياته الوطنية».
كان ماجد يقول، إنه لا يصلح للحب وللزواج، وحين تسأله راوية عن السبب يجيب:
«أنا إنسان مهدم. مفكك من الداخل ثقتي بنفسي مفقودة. وأنا أقف في الريح لأنني بلا وطن. شيء واحد أراه في الأفق «الموت». وحين تسأله لماذا تكون معادلة الفلسطيني الموت وليس الحياة يجيب:
«إما نحن أو هم. هذا قانونهم في توراتهم. الدم بالدم. منذ أكثر من نصف قرن وهم يلغون في دمائنا».
ترى راوية في ماجد شخصا «يشبه نجما في سماء» وتراه وهي على سطح بيتها «في عيون الريم. كوكب بعيد شحيح الضوء في ظلمة كون شاسع. منهمك في اللوغارتيمات والخرائط وأحلام التخطيط لتدمير إسرائيل» وحلمه الذي لا يتحقق «هو الالتحاق بتشي غيفارا في غابات بوليفيا زمن الفتوة والنهوض».
وحين يكتب ماجد رسالة إلى راوية يأتي على حياته منذ الخروج من بيروت في ١٩٨٢، «حيث لا شيء سوى الثرثرة واغتياب الآخرين واحتساء الشاي» ويعبر عن مواقفه السياسية. إنه مع المنظمة ولكنه ضد اتفاق «أوسلو»، وهو غير راض عن وظيفته في مكتب المنظمة في قبرص، ما يجعله يشعر بالغربة:
«الآن سأخرج من هذا الهذيان الأخرق اللامجدي. بعيدا عن الحالة الفلسطينية الميلودرامية الباعثة على الشفقة (هكذا حدث الأمر بعد أن مسخت الثورة إلى سلطة بائسة.. وقوافل ضباع مجيفة تراكم الأرصدة زاحفة نحو سلام المهزومين لا سلام الشجعان، لأن الشجعان اغتيلوا واستشهدوا ثم اختلطوا كأسلافهم في رماد العصور والأزمنة المنسية)».
وكان مضادا ومشاغبا وصداميا، مرمى (؟) تحت الريح الخطرة في مهب الأعاصير! إنه يتساءل لماذا كان هكذا ويتساءل أحيانا عن مكمن الخطأ؟! أكان الخطأ في خلايا تكوينه أم في العالم المحيط؟ وهل كل ما أسس وما قد يؤسس كان سدى وبلا معنى؟
وتصف لنا راوية ملامحه الخارجية، فهو ذو قامة باسقة وابتسامة لافتة وعينين مضيئتين كصقر. وسيكون لها حبل إنقاذ من ورطتها بعد ارتداد أبيها ومحاولة أخيها التحكم بسلوكها ومعاقبتها. لقد أحبته ورأت فيه نوعا من الحنين إلى أب مفتقد أحبته حين كان شيوعيا ومتحررا قبل أن يرتد إلى الطائفة، ورأت في ماجد ما كان عليه أبوها يوم رباها على الحرية.
ولكن ماذا عن أسرة ماجد؟
هو طفل لأسرة فلسطينية افترق أبواه عن بعضهما لاختلاف توجهاتهما، فالأم امرأة شرقية والأب طموح ومغامر. تريد الأم المال والذهب والأثاث و.. وهذا ما لا يعني الأب كثيرا، وهكذا يغادر مخلفا طفلا في الثالثة من عمره، ما دفع الأم للعمل خادمة في بيوت الآخرين.
يروي ماجد وهو حزين «عن الولد الذي لا وطن له ولا أب. سمع ما يكفي من المهانات الذاتية والوطنية.. عن الفلسطينيين اللاجئين والذين باعوا أراضيهم لليهود، وبعد أن شب وانتسب إلى الجامعة عرف وشاهد ما حل بقومه من الذل والتعذيب والقتل من الحكام العرب الأشاوس. حولته الصدمات إلى إنسان عصابي سريع الانفعال سوداوي المزاج جاهز للاستثارة والضرب بوحشية تصل حدود القتل».
فما صلته بماجد أبو شرار؟
زهوان الثوري دارس التاريخ اللاجئ والمثقف الذي لم يرق له «أوسلو»، المحب لوطنه والعاشق لراوية يفجر نفسه في السفارة الإسرائيلية في قبرص في الذكرى الثالثة عشرة لاستشهاد المثقف الفلسطيني القائد في حركة فتح الذي اغتاله «الموساد» في روما في بداية تشرين الأول من العام ١٩٨١ يوم اغتيال الرئيس أنور السادات. فهل عبثا اختار حيدر حيدر اسم ماجد اسما لشخصية روايته وجعله يتطابق في ثوريته مع ثورية ماجد؟