بقلم : عادل الأسطة
تعود صلتي بأشعار الشاعر سعدي يوسف إلى١٩٨٠، فأول ديوان شعري اقتنيته له هو «تحت جدارية فائق حسن»، وقد قرأت قصائده مرات ومرات وحفظت منها بعض مقاطع.
عندما قرأت قصص فاروق وادي «طريق إلى البحر»، في الفترة نفسها تقريبا، راق لي بيتان لسعدي ضمنهما الكاتب:
«للبحر أنت تعود مرتبكا
والعمر تنشره وتطويه
لو كنت تعرف كل ما فيه
لمشيت فوق مياهه ملكا».
رأيت، وأنا في القدس في١٩٨١، أعماله الشعرية الكاملة الصادرة عن دار الفارابي١٩٧٩، فاشتريتها، وتضم أشعاره بين١٩٥٢و١٩٧٧، وفيما بعد عثرت على المجلد الثاني صادرا عن دار العودة، ب (٩ تموز ١٩٨٨)، فاشتريته.
في بداية٨٠ ق٢٠ قرأت ترجمات سعدي لثلاثة دواوين «أوراق العشب» لـ (والت وايتمان) وقد صدر عن دار ابن رشد في١٩٧٩، و»وداعا للاسكندرية التي تفقدها» لـ (كفافي) وقد صدر عن دار الفارابي في١٩٧٩أيضا، و»ايماءات» لـ (يانيس ريتسوس) وصدر عن دار ابن رشد.
ولم أنقطع عن متابعة أشعار الشاعر اللاحقة، وكلما حصلت على عدد من «الكرمل» ولاحظت قصائد له فيها قرأتها، ولا أنسى قصيدته التي كتبها بعد خروج المقاومة من بيروت وجعل عنوانها «إلى ياسر عرفات»، وهي القصيدة الوحيدة التي كتبت عنها من أشعاره، لا لأنها مهداة إلى عرفات، وإنما لأنه في فترة لاحقة لنشرها في «الكرمل» غير عنوانها وجعله «الوردة» (مجلد ٢ طبعة دار العودة، ص٢٩٥).
كنت أتابع التغيرات التي يجريها الشعراء على قصائدهم فالتفت إلى هذا الجانب فيها.
لم أكتب عن أشعار سعدي كما كتبت عن مظفر النواب، ولكني قرأته وتابعت أشعاره التي راقت لي كما راقت لآخرين، وأذكر في هذا الجانب أنني أصغيت إلى المرحوم الكاتب الأردني ناهض حتر، وكان شيوعيا، يقول إن سعدي يوسف أشعر من محمود درويش وهذا كلام لا يروق للفلسطينيين فابتسمت، وكنت رأيت أن درويش أهم شاعر عربي بعد المتنبي.
لم ألتق بسعدي، ولكني حين عدت أسافر إلى عمان، بعد انقطاع سبعة عشر عاما عنها، وأخذت أتردد على مكتباتها، التفت إلى دواوين الشاعر الصادرة.
في تموز من العام ٢٠٠٠ سافرت إلى عمان لأشارك في مؤتمر النقد الأدبي في جامعة اليرموك، وعدت إلى نابلس بزاد وفير من الكتب وبينها ديوان شعري للشاعر عنوانه «يوميات أسير القلعة» (٢٢ تموز ٢٠٠٠) .
عادة ما لا أشتري دواوين الشعر، ولا أذكر أنني خلال سفري اشتريت دواوين لشاعر عدا محمود درويش ومظفر النواب وسعدي يوسف وأحمد دحبور، فأنا أشتري الروايات والسير وكتب الدراسات وبعض المجلات، ومن دواوين سعدي التي اشتريتها عدا الديوان المذكور ديوانا «الشيوعي الأخير يدخل الجنة» (٤ حزيران ٢٠١٢) و «عيشة بنت الباشا» (٢٤ أيار ٢٠١٤)، وفي ١٩٨١ قرأت له مجموعته القصصية التي صدرت عن دار ابن رشد في ١٩٧٩ «نافذة في المنزل المغربي» فلم ترق لي، وتابعت ما كتبه عن عبد الوهاب البياتي وصلته بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وهي كتابة ترسم للبياتي صورة مظلمة (انظر مجلة «الكرمل» خريف ١٩٩٩ العدد ٦١).
ولسعدي قصائد كثيرة في الموضوع الفلسطيني كتبها بين ١٩٧٦ و ١٩٩٣ جمعها في «الديوان الفلسطيني» وصدرت في عمان عن «اللجنة الشعبية الأردنية لدعم الانتفاضة».
ما كتبه سعدي عن البياتي يعلق بالذاكرة جيداً، إذ تبدو الكتابة صادرة من موقف ايديولوجي أخلاقي لعلاقة الشاعر بالسلطة، فسعدي يساري والبياتي يساري سابق رفعه الحزب ودعا إلى قراءته مفضلاً إياه على بدر شاكر السياب.
كيف نظر سعدي إلى البياتي؟
إن لم تخني الذاكرة فقد أتى على تعيين سعدي مستشاراً ثقافياً للسفارة العراقية في اسبانيا بين ١٩٨٠ حتى ١٩٩٠ ثم انقلابه على صدام. طبعا كتب سعدي عن البياتي ما كتب منطلقاً من منطلق ماركسي ليدين الشاعر وليقول إنه ما كان يوماً شيوعياً حقيقياً.
وأنا أقرأ قصائده تحت عنوان «الشيوعي الأخير» كنت أقرأها بمتعة وأحياناً كنت أتخيل أنه كان يكتب عن تجارب قريبة أو سلوكات قريبة مما أسلك.
في آخر مقابلة معه أزجى سعدي يوسف السلام إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وعبر عن علاقته بالجزيرة العربية، ففوجئت، ثم تذكرت مآل كثير من اليساريين في الواقع وفي الرواية العربية.
«الطفل أبو الرجل» قال (وردزوورث) واقتبسها منه جبرا ابراهيم في سيرته «البئر الأولى» ونحن في طفولتنا قرأنا القرآن والحديث النبوي و.. والشعر الجاهلي والإسلامي، فهل كان ما قام به سعدي يستدعي الدهشة؟
يا لمكر التاريخ، فماذا سيفعل بنا؟!!