عــام آخــر

عــام آخــر

عــام آخــر

 لبنان اليوم -

عــام آخــر

عاطف أبو سيف
بقلم : عاطف أبو سيف

أيضاً مر عام آخر. كان البعض يظن حين حدث الانقلاب قبل ثلاثة عشر عاماً أن الأمر لن يتعدى أشهر أو بضع سنين ثم يزول، لكن الأعوام تمضى ولا يبقى سوى الانقسام وتبعاته الخطيرة. وليس من المؤكد أن الأمر سينتهي عند ثلاثة عشر عاماً؛ إذ إن سنوات أخرى ستمر ربما، لأن هناك من يرى فيما حدث فعلاً عظيماً يجب عليه الاحتفاظ بمكتسباته التي «لهفها» بعد ارتكابه للجريمة النكراء. بيد أن صاحب الربح الأكبر فيما حدث هو الاحتلال الذي نجح بتدخل مباشر منه أو غير مباشر في تحقيق واحد من أهم مشاريعه لتصفية القضية الفلسطينية والمتمثل في سلخ قطاع غزة عن الحالة الكفاحية الفلسطينية العامة.

أحد أبرز مشاهد الانقلاب كان الخروج عن أخلاق العمل الوطني والنضالي وحمل السلاح في وجه الإخوة. عمليات القتل بدم بارد وسحل الجثث في الشوارع ورمى المناضلين من فوق أسطح العمارات، وإطلاق النار على أرجل الشبان حتى يصابوا بعجز دائم، ومداهمة البيوت وإطلاق القذائف على المدنيين، وبعد ذلك قصف المساجد والتعذيب في أقبية التحقيق وإحداث إعاقات دائمة، كل تلك لم تكن يوماً حتى في أبشع لحظات التاريخ البشري جزءاً من أي خلاف داخلي، حتى أن بعض هذه الأفعال الشنيعة يتعذر العثور على مثلها في جرائم الحرب التي ارتكبت على مدار التاريخ. وهذا الخروج عن أبجديات العمل الوحدوي لم يكن عفوياً. وربما فقط السذاجة يمكن لها أن تقول لنا: إن ما حدث كان عفوياً. فلم يكن ثمة سابقة في التاريخ أن قامت قوة بالفوز بانتخابات ديمقراطية ونزيهة وتسلمت مقاليد الحكم بالانقلاب واستخدام السلاح وسفك الدماء وتخريب البلاد من أجل أن «تمكّن» نفسها أكثر. أي تفكير هذا الذي يمكن أن يسعى وراء الدماء والقتل من أجل أن يُمكّن وكانت الناس قد مكّنته بإرادتها. وفيما سجلت القيادة الفلسطينية سابقة في الثقافة السياسية العربية ودلل الرئيس أبو مازن على قناعات لم توجد قبله عند الزعامات العربية حين لم يزوّر الانتخابات ولم يسعى بالقوة إلى جعل حزبه يفوز لا بنسبة 99 بالمائة ولا بنسبة 50 بالمائة، بل منح خصمه السياسي فرصة تشكيل الحكومة بعد الانتخابات، فإن «حماس» في المقابل وفيما كانت تتسلم مهام التكليف لتشكيل حكومتها لم يخطر في بالها إلا كيف تنقض على الجمل بما حمل وتقلب الطاولة.

ليس هذا من المنطق بشيء. دبر الأمر بليل كما يقول المثل. وتم ما تم وتبخرت الصورة الجميلة للفلسطيني المدافع عن أرضه الباحث عن حريته، وطغت على الإعلام صورة الفلسطيني يقتل الفلسطيني، والفلسطيني يدوس صور الشهداء، والفلسطيني السجان الذي يعذب أخاه، وبات الشباب يبحثون عن مكان آخر تعشش فيه أحلامهم بعد أن تم قتل حلمهم بالعيش بكرامة في المتاح لهم من أرض الحلم. وصارت البواخر تمخر عباب المتوسط تحمل العائلات ليموت الأطفال وهم ينظرون إلى سماء أخرى.

ماذا فعلتم بغزة؟
يتمتموها. سلختموها عن فلسطين من أجل أن تكون إمارة أخرى. أشعتم فيها الفقر والحزن والألم، وجعلتم شبانها لا يفكرون بشيء إلا بالرحيل عنها. لم تعد ثمة فرصة لحياة أفضل. صارت غزة في واد وفلسطين في واد آخر. تهود القدس والخليل وتستباح مقابر يافا الإسلامية وتسرق البلاد ولم يعد يهم إلا المال المشروط بالهدوء والصمت وربما الفرح. من يسرق أفراح الأطفال لا يستحق أن يبتسموا في وجهه، ومن يسطو على مستقبل الشباب لا يصلح لأن يكون راعيهم. غزة الجميلة البريئة الثائرة المقاتلة، غزة التي أفشلت مخططات التوطين وانتفضت في وجه الاحتلال ومرغت أنف رابين وجنرالاته في التراب، وغزة التي حملت الحلم الوطني بإقامة الدولة وأرست، على علات أوسلو، قواعد يمكن البناء عليها للبحث عن الكيانية الوطنية، وغزة التي احتضنت الثورة ورعتها وكبرت بها، باتت وحيدة لأن هناك من أراد أن يغلق الباب أمام الوطن، حتى يظل وحده يستجدي الآخرين حفنة من الدولارات.

غزة التي كان ياسر عرفات يحلم أن تصبح سنغافورة وخذلته أوسلو، باتت على قارعة الفعل، لم تعد النوارس تحلق فوق بحرها تنشر البشائر، بل صارت تنتظر «الشنطة» التي تمت مقايضتها بفلسطين.الآن وبعد هذا الزمن، هل يمكن لعاقل أن يقول للناس ماذا استفاد من قاموا بالانقلاب منه باستثناء أصحاب الكروش الجدد والأثرياء الجدد؟ لو أنهم أزاحوا السلك سنتيمتراً واحداً، أو لو أنهم حرروا دونماً واحداً من الأرض أو أعادوا لاجئاً واحداً لقريته، أو غيروا شكل الخارطة لو بقلم رصاص، لو أنهم أزاحوا قليلاً من غمة التاريخ وسوداوية الماضي، أو أتوا لنا بقليل من شهد الحلم، وأزالوا عن الليل ستائره السوداء، لو أنهم أراحوا الشهداء في القبور، وطمأنوهم على الوصية، أو رسموا البسمة على وجه أرملة الشهيد وأطفاله لأن هناك ما يستحق أن ينتظروه، لو أنهم حملوا قارورة من يافا وحيفا تحمل رسائل المهجّرين لبيوتهم التي ما زالت تنتظر، ولو أنهم نثروا على وجوه الصبايا أملاً يحملنه معهن في الطريق نحو الحياة التي سرقتها النكبة ونهشتها النكسة وقضت عليها العثرات، لو أنهم أحبوا فلسطين حقاً دون رياء ولا مجاملة، ولم ينشروا فيها الفساد والخراب، ولم يُعملوا السيف في رقاب الأخ، ولم ينهشوا أجساد المعذبين، لو أنهم اعتذروا عن الجرم بدلاً من البحث عن المزيد منه. لكنهم ساروا في الدرب الموغل في العتمة والوحل جارّين وراءهم حلماً كبيراً سار يتلاشى من بين أيدهم مثل الماء.مضى عام آخر. ومضى الحزن أكثر. ومضى الألم أكثر. ولم تمض الذكريات ولا جفت ينابيع الأمل مع هذا، إذ إن الشمس خلف التلال تمضي نحو نهوضها كل نهار جديد رغم العتمة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عــام آخــر عــام آخــر



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 لبنان اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:17 2014 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يجدد دماء المبادرة العربية

GMT 09:55 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي سعد لمجرد يُروج لأغنيته الجديدة "صفقة"

GMT 08:41 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon