بقلم : هاني عوكل
لا يزال فيروس "كورونا" يحظى باهتمام كبير من قبل دول العالم التي تشعر بقلق شديد من احتمالات حدوث موجة ثانية للوباء خصوصاً بعد فتح حدودها أمام جيرانها ومحيطها الدولي، وكذلك وقف العمل بتقييد حركة سكانها وفتح الأسواق لعودة الحياة إلى طبيعتها كما كانت قبل الجائحة.
"كورونا" انتشر في العالم بسرعة الصاروخ وهذا يعود إلى عاملين: الأول أنه فيروس سريع العدوى، والثاني أن الدول وكذلك المجتمعات تباطأت وتكاسلت في اتباع الإرشادات والتعليمات التي تستلزم منع تفشي العدوى وانحسارها في المصابين وعزلهم بالطرق الصحيحة.
بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على انتشار "كورونا"، لجأ الكثير من الدول إلى فتح حدودها وأجوائها الجوية والبحرية والبرية لوقف التدهور الاقتصادي الذي جاء مرتبطاً بلعنة الفيروس. حتى أن موعد الأول من تموز سيشهد عودة تدريجية للخطوط الجوية واستئناف حركة الرحلات بين دول العالم.
العالم متعطش كثيراً لممارسة الحياة الطبيعية والتنقل بحرية دون معرقلات، وهو يترقب القرارات الرسمية الصادرة في كل دولة عن كثب، لكن ثمة ما هو أهم من انتظار فتح الأسواق والحدود لتفادي الوقوع في كارثة "كورونا" الذي يتربص بالعالم كل الوقت.
الوعي بخطورة الأمراض ومن بينها "كوفيد - 19" وحده يمكن أن يعرقل انتشار هذا الفيروس اللئيم، وهناك الكثير من الشواهد التي تخلف فيها الناس عن اتباع الإجراءات الصحية بارتداء الكمامات والقفازات وممارسة سياسة التباعد الاجتماعي، والنتيجة احتمالات عودة قوية للفيروس بعد قرارات فتح مختلف الأنشطة التجارية والترفيهية.
فقط لمدة إغلاق تجاوزت الثلاثة أشهر، يعاني وسيعاني الاقتصاد العالمي من خسائر بالتريليونات، وصندوق النقد الدولي يتوقع خسارة كبيرة تصل إلى حوالى 12 تريليون دولار للاقتصاد العالمي على مدى عامين، وهذه الخسائر قد تزداد إذا لم يتوفر اللقاح بأقصى سرعة ممكنة، وكذلك إذا لم يستجب الأفراد للتعليمات والاشتراطات الصحية.
شخص واحد فقط إذا حمل الفيروس هو أشبه بالقنبلة الموقوتة التي تتحرك، لأنه حينذاك سينقل "الكورونا" إلى كل محيطه الذي خالطه، وهذا المحيط إذا لم يتبع الإرشادات الوقائية سيقع في كارثة حقيقية، وهناك أمثلة في الشارع على استهتار الناس بارتداء القفازات وتجنب الأماكن المكتظة بالأفراد.
في النهاية يجوز القول إن الإنسان مصدر سعادته ومصدر شقائه أيضاً، لأنه إذا اتبع الإجراءات الوقائية الصحية كل الوقت يكون بذلك قد عاد بشكل تدريجي لممارسة حياته الطبيعية، وحينذاك سيؤثر هذا إيجاباً على تدني أعداد المصابين يومياً، وبالتالي قيام الدول بالتخفيف من القيود المتبعة بسبب الفيروس.
الوعي بالصحة ضروري أيضاً في طريقة اختيار السلة الغذائية اليومية وممارسة الرياضة ولو بحدها الأدنى.
من حسنات "كورونا" أنه أعاد صياغة علاقة الناس بغذائهم ورياضتهم، حتى أنك تجد الكثير منهم يتهافتون على شراء الخضراوات والفواكه وتحديداً البرتقال والليمون.
الكثير من الناس أخذوا العوامل الصحية والغذائية على محمل الجد، وتكيفوا مع انتشار الفيروس، وآخرون استهتروا بالجوانب الوقائية الصحية وأهملوا غذاءهم مع الوقت ما يؤدي إلى ضعف في المناعة، ولذلك وجب التأكيد على الوعي بالصحة لأنه ليس فقط مسؤولية فردية وإنما أيضاً مسؤولية اجتماعية.
لماذا التركيز على مسألة الوعي في هذا الوقت بالذات؟ هذا السؤال مرتبط بعودة الحياة إلى طبيعتها عند الدول التي عانت اقتصاداتها من خسائر مالية فادحة، وكذلك مرتبط باعتقاد الناس أن الفيروس لم يعد خطيراً كما كان من قبل، وأنه ينحسر شيئاً فشيئاً.
وعي الإنسان وحده هو الذي يوقف انتشار الفيروس، فهو المسؤول عن سلامة صحته وسلامة صحة أسرته والمجتمع، وكذلك هو مسؤول عن أمن واستقرار بلاده ومسؤول بشكل كبير عن وضعها الاقتصادي، فكلما تهرب من مسؤولياته عانى المجتمع واستصعبت الدولة تطويق الجائحة.
إذاً لابد من الاستمرار في توعية المجتمع باتباع الإرشادات الصحية في المنزل وخارجه، وترسيخ هذه الثقافة في إطار الحياة العامة، إذ من الطبيعي أن يغسل الإنسان يديه معظم الوقت وأن لا يكون هذا الحدث مرتبطاً بانتشار "كورونا"، وإذا توفر اللقاح ذهبت كل الممارسات الصحية أدراج الرياح.
بسبب تدهور صحة الإنسان خسر العالم أموالاً كثيرة، وتحول من العولمة إلى العولبة، إلى أشبه بالعيش في معازل مغلقة إلى حين فرملة انتشار الفيروس، ولن يتمكن هذا العالم من تحريك الاقتصاد كما كان في مرحلة ما قبل "كورونا"، إلا إذا حصل على ضمانة تؤدي بالنتيجة إلى وقف "كوفيد - 19".
الإنسان أولى بصحته ولتؤجل كل مظاهر الاحتفالات والزيارات الاجتماعية إلى وقت يعي فيه الفرد أن حياته وحياة غيره غالية.
"كورونا" أزمة عابرة لكنها أحدثت ندوباً كثيرة في جسد العالم، وسيحتاج إلى وقت للنهوض بقدراته كما كان من قبل، لكن ذلك لا يمنع أن يعي الإنسان جيداً أن قوته في صحته.