بقلم - هاني عوكل
لم يعد من مفر أمام العديد من دول العالم سوى تخفيف القيود التي كانت مفروضة على حركة مواطنيها لمنع انتشار فيروس كورونا، وهذه الإجراءات التي تعد ضرورية لا تقتصر على الجانب الصحي فقط، بقدر ما أنها مست مصالح الناس و»لقمة» عيشهم.
قبل «كورونا» كان العالم يعيش في كابوس اقتصادي ظل يضغط كل الوقت على الوظائف وطبيعتها، في الوقت الذي دخلنا فيه عصر الذكاء الاصطناعي الذي خلق وقائع جديدة أدت وتؤدي إلى تغير في مستقبل الوظائف نحو انقراض التقليدي منها مقابل قيام أجهزة وبرمجيات ذكية بوظائف كان يقوم بها البشر في يوم ما.
دخول «كوفيد 19» على الخط أفقر العالم وصعّب الحياة إلى حد كبير، لدرجة أن إجراءات القيود التي فرضتها الدول لمنع تفشي الفيروس لو بقيت على حالها لأطاحت بالعديد من الدول الغنية وغير الغنية، ومع ذلك وعلى الرغم من التدرج في تخفيف القيود على حركة الناس وكذلك الاقتصاد والسياحة وغير ذلك، إلا أنها لم تمنع من دخول آلاف الأفراد والأسر يومياً إلى مربع الفقر.
العالم ينمو بشكل سريع سواء في التركيبة السكانية أو حتى في التطور البشري، لكن مرحلة ظهور «كورونا» وما قبلها وما بعدها شكلت ضربة قوية لهذا النمو بكل مستوياته، إذ على سبيل المثال لا الحصر حذرت دراسة صدرت عن «اليونيسف» و»سايف ذا تشيلدرن» من أن الآثار السلبية التي خلفها «كوفيد - 19» دفعت حوالى 86 مليون طفل للدخول في مربع الفقر بنهاية العام الجاري.
هذا الرقم يضاف بطبيعة الحال إلى عدد الأطفال الجائعين، حيث يصل إلى 672 مليون طفل مع نهاية العام وهو رقم ليس بسيطاً في ظل الوضع الكارثي الذي يشهده العالم، بالإضافة إلى أن العالم قبل انتشار الفيروس شهد التحاق 190 مليون شخص بصفوف البطالة مع بداية العام.
مدير عام منظمة العمل الدولية غاي رايدر أشار في تقرير صادر عن المنظمة إلى أن العالم سيخسر حوالى 195 مليون وظيفة بدوام كامل في فترة «كوفيد - 19»، وثمة قطاعات ستشهد أضراراً اقتصادية بالغة، في حين ستصعد قطاعات جديدة ويتعزز حضورها في المشهد الاقتصادي العام مثل خدمات التسوق الإلكتروني وسوق الألعاب الإلكترونية.
بسبب قوة الضغط الاقتصادي على الدول والمجتمعات، تداعى الكثير منها إلى رفع القيود بشكل تدريجي عن حظر التجول وكذلك ممارسة الأنشطة المتنوعة وفق اشتراطات ومعايير معينة، وهي قرارات تستهدف التعايش مع «كورونا» طالما أن لا أحد اخترع لقاحاً له.
ثمة دول اضطرت إلى اتخاذ إجراءات تخفيفية على الرغم من أنها تشهد يومياً زيادة في عدد الإصابات بالفيروس، تحت قناعة أن أفضل خيار لمواجهة «كوفيد - 19» يكمن في التعايش معه وتخفيف تبعاته التي يفرضها على الأفراد ومصدر قوتهم، والأهم ضغطه على أنظمة الحكم التي تجتهد للخروج من هذه الأزمة بأقل كلف ممكنة.
الخوف على العالم ليس من موجة ثانية للفيروس فحسب، وإنما من موجة فقد الوظائف وإحالة مئات الآلاف من الموظفين إلى البطالة، تحت مبررات مقنعة أو غير مقنعة مرتبطة بثقافة الربح السريع، كأن تدعو إحدى المؤسسات إلى تقليص العمالة وخفض الأجور والتحول إلى العمل من المنزل، في الوقت الذي تتحصل فيه على أرباح مناسبة، لكنها تستغل أزمة «كورونا» للاحتفاظ بنسب الأرباح التي كانت تحصل عليها قبل الجائحة.
كل دولة تأثرت بشكل أو بآخر بهذا الوباء، ويجوز القول إن سمعة أي دولة كانت على المحك إذا لم تبادر بشكل فوري إلى مساعدة مختلف القطاعات الحكومية وكذلك القطاع الخاص وعدم تركه للأيام، وأيضاً ينبغي على القطاع الخاص أن يساند نفسه بنفسه للخروج من أزمة «كورونا» دون التأثير الكبير على الوظائف.
الآن أقل ما تقوم به الدول هو التخطيط لتخفيف الإجراءات وإعادة جيشها من الموظفين بنسبة دوام كامل تحت اشتراطات معينة، لتحريك عجلة الاقتصاد قدماً، لكن يبقى من المهم التركيز على أن بعض الدول النامية التي تزيد فيها الكثافة السكانية إلى حد كبير ينبغي أن تكون أكثر حذراً في مسألة تخفيف القيود.
ثم على منظمة صحية بمستوى منظمة الصحة العالمية أن يكون لها دور خصوصاً في المناطق الفقيرة التي تعاني من نقص المستلزمات الصحية وأيضاً تعاني من فرط في التركيبة السكانية، وغزة تحتاج إلى دعم مادي وطبي مستعجل لوقف انتشار «كورونا».
العبرة الآن ليست في الاحتياطات الوقائية لتجنب تفشي الجائحة، وإنما في وعي المسؤول والمواطن إزاء إمكانية التعايش اللحظي مع هذا الفيروس، من حيث أخذ كل الإجراءات لمنع الإصابة به، وكذلك التصدي له بالعمل كل في موقعه للعودة إلى تنشيط العملية الإنتاجية التي تباطأت منذ بداية العام الجاري.