بقلم : محمد ياغي
في اليمين الإسرائيلي الذي يهيمن على الحكم منذ عقدين من الزمان تقريباً توجد ثلاثة معسكرات.
معسكر يسمونه الوسط، وهو يريد الاحتفاظ بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل مع ضم كامل للمستوطنات إلا تلك التي تسمى عشوائية لأنها تحتاج لبنى تحتية لربطها بإسرائيل وتكاليف حمايتها مرتفعة، وهي مستوطنات مخالفة في إنشائها للقانون الإسرائيلي نفسه.
هذه المستوطنات أقامتها مجموعة من المتطرفين المتدينين اليهود بدون قرار من حكومتهم. هم قرروا ونفذوا السيطرة على أرض فلسطينية وحدهم وأقاموا عليها بيوتاً بتبرعات من داعميهم داخل إسرائيل وخارجها مثل عائلة كوشنر مسؤول ملف الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في البيت الأبيض، وفريدمان السفير الأميركي في إسرائيل، وقامت دولة الاحتلال لاحقاً لذلك بإرسال جنود لحمايتهم.
هذا المعسكر كان يمثله شارون وإيهود أولمرت وتسيبي ليفني وقد خسر لاحقاً الانتخابات لمعسكر آخر أكثر تطرفاً يمثله نتنياهو ومعه غالبية كتلة اليمين، بمن فيهم بيني غانتس زعيم تحالف "أزرق - أبيض" قبل تفسخ تحالفه إثر قراره الانضمام لحكومة نتنياهو.
المعسكر الثاني يمثله نتنياهو وهو لا يريد القدس والكتل الاستيطانية فقط، ولكنه يريد أيضاً ضم الأغوار والمستوطنات العشوائية لدولة إسرائيل وإبقاء الفلسطينيين في معازل تديرها السلطة الفلسطينية.
نتنياهو وفقاً لما قاله لقادة المستوطنات أثناء اجتماعه معهم يوم 8 حزيران، فإن ما تبقى من الأرض الفلسطينية بعد الضم لن تكون فيها دولة فلسطينية وفق خطة ترامب "للسلام" لكن إدارة ذاتية للسكان الفلسطينيين.
الجدل حول الضم بين غانتس ونتنياهو في هذا المعسكر ينحصر في مسألة واحدة: هل نقوم بعملية الضم بالتدريج أم دفعة واحدة؟.
نتنياهو وأيضاً وفقاً لحديثه مع قادة المستوطنات، يرى أن هنالك فرصة تاريخية لم تتوفر منذ العام 1948 وهي وجود رئيس في البيت الأبيض داعم لكل القرارات الإسرائيلية، وبالتالي فإن على إسرائيل عدم إضاعة الفرصة واتخاذ قرار الضم ليتعامل معها العالم بعد ذلك على أنها أصبحت أمراً واقعاً.
غانتس من جانبه يرى أن الضم يجب أن يكون تدريجياً، يبدأ بالكتل الاستيطانية وعددها 132 مستوطنة في الضفة ثم الانتظار بعض الوقت لمعرفة إن كانت السلطة على استعداد بعد ممارسة الضغوط عليها لقبول التفاوض على أساس خطة ترامب "للسلام". إن رفضت السلطة التفاوض، فإن إسرائيل ستتخذ بعدها قرار ضم الأغوار.
وفق خطة ترامب فإن الأغوار ستكون جزءاً من إسرائيل. ما يطرحه غانتس إذاً، إذا لم توافق السلطة بإرادتها على ضم الأغوار عن طريق التفاوض، فإن إسرائيل ستضمها وحدها وبدون اتفاق مع الفلسطينيين.
غانتس فقط يريد الانسجام أكثر مع خطة ترامب التي أشارت خطته الى أنه إذا رفضها الفلسطينيون، فإن لإسرائيل الحق باتخاذ خطوات وحدها لتنفيذها.
الفرق بين غانتس ونتنياهو، إذاً، هو في أن الأول يريد الإلحاق التدريجي للأراضي الفلسطينية لإسرائيل، بينما يريد الآخر ضمها دفعة واحدة.
في معسكر اليمين الإسرائيلي هنالك من هم اكثر تطرفاً من معسكر نتنياهو. هؤلاء على المدى البعيد يريدون أن يكون كامل الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية وإخراج الفلسطينيين منها، ربما الى الأردن أو الى أي مكان آخر في العالم. وعلى المدى القصير يريدون من فريق نتنياهو أن ينفذ عملية ضم المستوطنات والأغوار دون الإشارة الى خطة ترامب التي يرفضونها ويدعون بأنها تتيح للفلسطينيين السيطرة على "جزء من أرض إسرائيل الكبرى".
هؤلاء ليسوا قلة ويمثلهم مجلس المستوطنات وعدده 23 عضواً (مجلس ييشع). وفق الصحافة الإسرائيلية هذا الفريق كان في البداية رافضا لخطة ترامب، لكنه مؤخراً انقسم الى فريقين: فريق عدده 11 من هذا المجلس، يرى أن خطة ترامب تقربهم من هدف السيطرة النهائية على كامل الضفة الغربية، وبالتالي هم مع عملية الضم للمستوطنات والاغوار فوراً، حيث يتيح لهم الرفض الفلسطيني للخطة، وفق تقديرهم، فرصة التنصل من خطة ترامب لاحقاً. وفريق يمثل ما تبقى من أعضاء المجلس وهو لا يزال متمسكاً بموقفه الذي يطالب بالضم بدون الإشارة لخطة ترامب "للسلام".
الفرق كما نلاحظ بين أجنحة اليمين الإسرائيلي المهيمن على الحكم في دولة الاحتلال هو بين الالحاق المتدحرج للأرض الفلسطينية بإسرائيل، وبين ضم مساحات شاسعة منها دفعه واحدة.
والفرق بينهم أيضا هو في أن البعض يريد استغلال خطة ترامب الآن لعملية الضم وقبل الانتخابات الأميركية التي قد تجعل من جوزيف بايدن رئيساً لأميركا وهو رافض لعملية الضم، وبين من يريد إدارة الظهر كلياً لأي إدارة أميركية باعتبار أن الضفة جميعها هي أرض إسرائيلية.
قناعتنا أن لا فرق بين هذه المعسكرات: جميعها تريد القدس الشرقية والأغوار والمستوطنات أن تكون جزءا من دولة إسرائيل، وهو ما قامت بعمله بالتدريج سابقاً من خلال تكثيف الاستيطان في القدس والضفة ومن خلال تقييد عملية البناء للفلسطينيين وحصر هذه العملية داخل مدنهم ومنعهم من الانتشار على أراضيهم.
دعوات بعضهم للمفاوضات مع الفلسطينيين مثل غانتس هي للإيحاء بأن الضم يأتي بموافقة فلسطينية، بينما بعضهم الآخر، مجلس المستوطنات، لديه من التطرف والوقاحة للقول بأن العالم كله لا يعنيهم لأنهم قادرون على فعل ما يريدون دونما الحاجة للاختباء خلف "خطة" من صنع ترامب أو خلف مفاوضات كاذبة.