لماذا لم يتعلم السراج من نظيريه العراقي واللبناني

لماذا لم يتعلم السراج من نظيريه العراقي واللبناني؟

لماذا لم يتعلم السراج من نظيريه العراقي واللبناني؟

 لبنان اليوم -

لماذا لم يتعلم السراج من نظيريه العراقي واللبناني

على شندب
بقلم: على شندب

تترسخ مساحة القناعة بين جموع الليبيين بأن شعار "حماية المدنيين" الذي رفعه المجتمع الدولي ضد الجماهيرية الليبية، كان الكذبة الكبرى التي انطلت عليهم لتنفيذ أكبر عملية سطو تعرضت وتتعرض لها ليبيا منذ عام 2011 حتى اليوم.فحماية المدنيين بالأساطيل الناتوية التي تصدر قيادتها الأمامية الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، فيما كانت القيادة من الخلف للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، المعزّزة بفتاوى كل من الشيخ يوسف القرضاوي والمرشد الإيراني علي خامنئي، والتي انخرط فيها ضمنا وتحت راية حلف الناتو كل من حركة حماس وحزب الله.فحماية المدنيين لم تكن الا الذريعة الهادفة الى شطب ليبيا المتموضعة على عقدة المواصلات القارية الأوروبية والمتوسطية والافريقية من معادلة القوة والنفوذ والحضور الإقليمي والدولي.إنها الحماية التي رُفعت عن المدنيين الليبيين بمجرد الانتهاء من إسقاط وتفكيك الدولة الليبية وقتل معمر القذافي، لتدخل ليبيا بعدها معه في ذاك القبر المجهول، ولتتحول الى مقبرة حقيقية لليبيين وطموحاتهم وأحلامهم الموؤدة في الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان بالإضافة الى التنمية الموعودة كأن تصبح طرابلس مثل دبي، وبنغازي مثل باريس، ومصراتة مثل روما.

وليستفيق الليبيون بعد انتهاء مفعول حقنة الثورة التي حقنهم بها المرشد الأعلى للثورات المسمومة برنار هنري ليفي، على وطن مسلوب الإرادة والسيادة ومنهوب الثروة، ولتتحول ليبيا بعد انتهاء صلاحية فتاوى القرضاوي وعلي الصلابي والصادق الغرياني الى "بيت مال المسلمين" الذي ينفق بسخاء على المرتزقة من سوريين وتونسيين وتركمانيين وغيرهم. وليتحول الليبيون الى متسوّلين لأموالهم الخاصة في المصارف الفاقدة للسيولة تماما كأشقائهم اللبنانيين، وليجدوا أنفسهم انهم في بلادهم أقل من رعايا في بلاط الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.بعد عام 2011 افتقد الليبيون الأمن والأمان والكرامة، ووجدت شرائح واسعة منهم نفسها على قارعة الطريق، تمد يدها عوزا وجوعا وذلا وانكسارا. فقبل عام 2011 كان الليبيون يرفلون بالستر الجميل الذي كان يخيّم على ليبيا، وبعد عام 2011 اكتشف الليبيون أنه تم هتك ستر ليبيا، وباتت بلادهم مشاعا وساحة مباحة ومستباحة بدون ساتر او سواتر.طفح كيل الليبيين، فقرّروا كسر حاجز الصمت والخوف، كما قرّروا التمرد على الانكسار والخروج على حالة الانكار والمقارنة غير الظالمة بين ما قبل 2011 وما بعده. وخرجوا الى الشوارع والساحات بهدف وضع حد للمهانة التي تلفهم ووجدوا أنفسهم فيها. انها المهانة التي جعلت الحياة والموت لديهم يتساويان.

الليبيون شعب طيب متسامح ومتدين بفطرته، حباهم الله ثروات نفطية وغازية ومنجمية معلومة وغير معلومة. هي الثروات التي لأجل السطو عليها استُصدر القرار الدولي رقم 1973 تحت شعار حماية المدنيين. وهي الثروات التي لأجل السطو عليها أيضا شحن اردوغان عشرات الالاف من مرتزقته من السوريين والتونسيين والصوماليين وغيرهم على متن بوارجه وأساطيله المختلفة واحتل غربي ليبيا ويطمح باحتلال مدن الهلال النفطي انطلاقا من مدينة سرت، ليصطدم بالخط الأحمر المصري، وأيضا برفض شركائه الأوروبيين في عدوان الناتو عام 2011.أدرك الليبيون عمق المقلب وحجم الخازوق الذي أكلوه جيدا. ولهذا قرروا الخروج في طرابلس، فضاقت بهم شوارع بن عاشور، فشلوم، الدريبي، غوط الشعال، قرقارش، حي الأندلس، حي دمشق، الجمهورية، النصر، زاوية الدهماني، الضهرة، الترسانة، الحي الإسلامي، ميدان القادسية، طريق السكة، اول سبتمبر، محمد المقريف، ميزران، البلدية، سوق الثلاثاء، وعمر المختار، وقد يمّموا صرخاتهم وقبضاتهم وأقدامهم وقلوبهم قبل وجوههم شطر "ميدان الشهداء" او "الساحة الخضراء" المنبسطة والمتكئة على جدار "السرايا الحمراء" التي يكتظ متحفها بمآثرهم التاريخية في قلب المدينة القديمة.

وعلى مدى أيام مضت أطلق الليبيون والليبيات العنان لأوجاعهم والآمهم وأحلامهم، وأعلنوا بوضوح عار من كل إنكار مطالبهم في المياه والكهرباء والغذاء والرواتب والسيولة. ثم تجحّظت المطالب القائلة برحيل رئيس حكومة الوفاق فايز السراج المعيّن من الأمم المتحدة منذ خمس سنوات، وهو التعيين الذي تقول ترجمته السياسية، انه رئيس الحكومة المعترف بها دوليا. لكنها الحكومة التي لم تحظى بثقة البرلمان الليبي، ولا تحظى بقبول الليبيين خصوصا في طرابلس وغربي ليبيا.استشعر السراج ذاك الوافد على متن فرقاطة إيطالية، بصفته الأداة المشرّعة للتدخل التركي في ليبيا، خطر خروج الليبيين عليه، فسارع بإيعاز من المخابرات التركية لعقد اجتماع لقياداته الأمنية والاستخبارية والعسكرية لتدارس خطر مظاهرات الغضب. فلم يجد سوى جائحة كورونا ليقمع الليبيين بحجة مكافحتها، فقرّر حظر التجول لمدة أربعة أيام قابلة للتمديد بهدف مواجهة كورونا.

فات فايز السراج تعلّم الدرس من نظيره العراقي عادل عبدالمهدي الذي سبق وتمترس خلف مواجهة كورونا وقد حوّلت ميليشيات الحشد الشعبي المندمجة في سلطته، ساحة التحرير في بغداد وساحة الحبوبي في الناصرية وغيرهما من الميادين العراقية الى مقتلة للكثيرين من أبناء ثورة تشرين العراقية، الذين وللمفارقة لديهم ذات المطالب الحياتية لأقرانهم الليبيين مضافا اليها التخلص من هيمنة ايران ونفوذها.كما فات السراج التعلّم أيضا، من درس نظيره اللبناني حسّان دياب، الذي أراد اقناع ثوار 17 تشرين الذين وللمفارقة لديهم ذات المطالب الليبية والعراقية في مكافحة الفساد والإصلاح والتحرر من ميليشيا المال والسلطة والسلاح وناظمها حزب الله بوصفه ذراع ايران في لبنان.ما تقدم يشي بتماثل الأوضاع في ليبيا والعراق ولبنان، وتطابق عناوينها الفرعية والرئيسة: سلطة محاصصة، فساد، فقدان سيولة، مياه، كهرباء، أمن وأمان، جوع ومهانة وذل وفقدان كرامة، ميليشيات حاكمة ومتحكمة في مفاصل الدولة، ورديفة لها في آن بعيدا عن أي حساب او مسائلة.

واذا كانت الأوضاع في العراق ولبنان نتيجة التوغل الإيراني، فالأوضاع في ليبيا نتيجة التغول التركي الناتوي على جسر اخواني، وفي هذا السياق يتماثل التغول التركي مع التوغل الإيراني الى درجة تنتفي فيها إمكانية التمايز والمفاضلة بين نموذجين رديئين للإسلام السياسي السني والشيعي.قرأ الليبيون جيدا أنهم هم الجائحة الكورونية التي يقصدها السراج، وليس فايروس كورونا الأصلي، الذي شحنه اردوغان مع مرتزقته الى مطارات وموانىء مصراتة وطرابلس. فاستشاطوا غضبا وغيظا مضاعفا ضد الأرزقيين من المعارضة السورية الذين أثبتوا أنهم ليسوا سوى مجرد بندقية للايجار. وأعلن المتظاهرون الليبيون، كما قبلهم أشقائهم العراقيين واللبنانيين، أنهم "يفضلون الموت بكورونا على الموت جوعا".تحدّى أبناء طرابلس وجوارها قرار حكومة السراج في حظر التجول الكوروني، ونزلوا الى الساحة الخضراء. فصعّدوا مطالبهم من مكافحة الفساد وتأمين خدمات المياه والكهرباء والسيولة، الى المطالبة برحيل السراج وحكومته المستمرة بشرعية الاعتراف الدولي، وليس شرعية الشعب الليبي، فكانت ميليشيات بادي والبقرة وغنيوة والنواصي بالاضافة الى المرتزقة الاردوغانية لهم بالمرصاد مطاردة وخطفا وترويعا وارهابا وقتلا واغتيالا.

تذكر الليبيون الشعار الاستراتيجي الدولي "حماية المدنيين"، فاستنجدوا ببعثة الأمم المتحدة بصفتها الوكيل الحصري والشرعي لحماة مدنيي ليبيا، وناشدوها التدخل والضغط على من وهبته الأمم المتحدة شرعيتها لإيقاف المقتلة بحقهم، فلم يسمعوا من الأمم المتحدة لصوتهم صدى يعود. لكن رجع الصدى وصل طرابلس على شكل مظاهرات تأييد من شباب مدينة الزاوية، وأيضا من شباب مدينة اوباري جنوبي ليبيا، فضلا عن دعم وإسناد حقوقي لافت قدمته نقابة المحامين في طرابلس.وتشي المعطيات والبرقيات التواصلية المتطايرة، بأن يتحول حراك شباب طرابلس الذي بات بمثابة شمعة في ليل ليبيا البهيم، الى كرة ثلج تنمو وتكبر على امتداد ليبيا، رغم محاولات حكومة السراج والمخابرات التركية بما اكتسبته من خبرات واسعة في سوريا والعراق، العمل على تفخيخ الحراك وتجويفه (كما حصل في لبنان) وحرفه عن أهدافه في كنس كل الطبقة السياسية والعسكرية الرسمية والميليشياوية المتنفذة شرقي ليبيا وغربها، كما دلّت بعض شعارات مندسي الميليشيات من جهة، والصراع الذي خرج الى السطح بين السراج ووزير الداخلية فتحي باش اغا الذي هدّد باستخدام قوة "بركان الغضب" ضد الميليشيات والقوات التابعة للسراج التي أطلقت النار على المتظاهرين في شوارع طرابلس والذين تعهد باش اغا بحمايتهم من جهة اخرى.

ما تقدم يشي بتصدع عميق في بنيان حكومة الوفاق غير المرصوص، فهل الأمر مجرد توزيع أدوار بين باش آغا المصراتي والقيادي الاخواني، والسراج الطرابلسي من أصل تركي، أم أن الصدام سيندلع حقا بين قطبي حكومة الوفاق بهدف إقصاء السراج وسيطرة مصراتة غير المقنّعة على مفاصل السلطة في طرابلس، لتنفتح ليبيا على مشهد سياسي جديد، أطلق شرارته انتفاضة شباب طرابلس؟لننتظر عزيمة شباب ليبيا الرافضين لكل هذه التخندقات والمحاور والمصمّمين على إسقاط منظومة ميليشيا المال والسلطة والسلاح، وما ستلده الأيام المقبلة والحبلى بالتطورات المفاجئة.
قد يهمك ايضا

زهد موريتانيا ومنظومة الأمونيوم اللبنانية

 

انتفاضة طرابلس وخطط الاردوغان الافريقية

 

 

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا لم يتعلم السراج من نظيريه العراقي واللبناني لماذا لم يتعلم السراج من نظيريه العراقي واللبناني



GMT 14:56 2023 السبت ,07 كانون الثاني / يناير

الطبابة في حوض الفولغا

GMT 14:53 2023 السبت ,07 كانون الثاني / يناير

أميركا... زمن «فرسان الساحات الخالية»

GMT 14:51 2023 السبت ,07 كانون الثاني / يناير

مقتطفات السبت

GMT 14:49 2023 السبت ,07 كانون الثاني / يناير

عام جديد من النزاعات والتحديات المستمرة والمتجددة

GMT 14:43 2023 السبت ,07 كانون الثاني / يناير

تغريدة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 11:49 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 لبنان اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:56 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"واتساب" يُعلن عن ميزة تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
 لبنان اليوم - "واتساب" يُعلن عن ميزة تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي

GMT 17:45 2021 الخميس ,21 تشرين الأول / أكتوبر

الكاظمي يؤكد العمل على حماية المتظاهرين بالدستور
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon