عدا الإتصال الهاتفي بين الرئيسين الفرنسي والأميركي، والذي حضر على هامشه لبنان لبضع دقائق، من غير الواضح بعد طبيعة الإنعكاسات التي سيتركها حلول جو بايدن في السلطة على وجهة المنطقة، واستطراداً، مستقبل الداخل اللبناني، وسط توقعات متضاربة في هذا المجال.
بات العارفون بتفاصيل الأزمة المستفحلة بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، مقتنعين بأنّ أسبابها الحقيقية هي في معظمها داخلية واحياناً شخصية، وانّ الكلام حول عوامل اقليمية ودولية مبالغ فيه، ويرمي الى تكبير الحجر وإيجاد مبررات تخفف من وطأة المسؤولية المحلية عن فضيحة التأخير النافر في تشكيل الحكومة الجديدة.
وهناك من يعتبر، انّه مع رحيل دونالد ترامب وبدء ولاية الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، سقطت آخر الذرائع الخارجية التي كان يتسلّح بها البعض لتبرير المراوحة في التشكيل، إذ لم يعد يوجد الآن مبرر علني او ضمني للخوف من العقوبات التي كان يلوّح بها ترامب، في حال جرى ضم وزراء قريبين من «حزب الله» إلى الحكومة المرتقبة، بل انّ المكالمة الهاتفية بين بايدن والرئيس مانويل ماكرون، أعادت شيئاً من الحرارة الى أسلاك المبادرة الفرنسية حيال لبنان، كما يوحي الإتصال الذي أجراه ماكرون برئيس الجمهورية قبل أيام قليلة، في إطار محاولته المتجددة، الدفع نحو تأليف الحكومة في أسرع وقت ممكن.
والإنطباع بأنّ العِقَد التي تعرقل الولادة الحكومية «أهلية بمحلية»، عزّزه بيان الرئيس نبيه بري امس الأول، والذي أكّد فيه انّ «العائق ليس من الخارج وإنما من عندياتنا»، متلاقياً بذلك مع موقف «حزب الله» الذي سبق له أنْ اعتبر أنّ البُعد الداخلي يطغى على تعقيدات الملف الحكومي، في حين انّ آخرين لا يزالون يصرّون على ربط مصير هذا الملف بالقاطرة الخارجية، وتحديداً باتجاهات العلاقة بين طهران وواشنطن في ظلّ الإدارة الأميركية الجديدة.
وبمعزل عن مستوى تأثر الشأن الحكومي بما يجري خلف الحدود والبحار، فإنّ هناك من يفترض انّ المرحلة الانتقالية التي تمرّ فيها واشنطن مع مغادرة ترامب واستلام بايدن، انما تشكّل في كل الحالات فرصة لـ»خروج آمن» من عنق الزجاجة، ذلك أنّ الإدارة الجديدة لا تزال في طور استطلاع الأرض وترتيب الملفات، والأرجح أنّه سيمرّ بعض الوقت قبل أن يظهر خيرها من شرّها، الأمر الذي قد يؤدي في هذه الأثناء إلى تخفيف الضغوط نسبياً على لبنان، مع الأخذ في الحسبان أيضاً، انّ العلاقة الجيدة بين ماكرون وبايدن ربما تساهم في إيجاد بيئة أفضل للمبادرة الفرنسية.
وعلى وقع أولى خطى بايدن في أروقة الرئاسة الأميركية، جالت سفيرة الولايات المتحدة في بيروت دوروثي شيا خلال الأيام الماضية على عدد من المسؤولين اللبنانيين، فيما عُلم انّ السفارة في عوكر أتمّت الاستعدادات لإعطاء موظفيها اللقاح المضاد لكورونا في النصف الثاني من شباط الحالي.
ولعلّه سيكون من المفيد رصد سلوك شيا في الفترة المقبلة، لمعرفة ما اذا كان سيتأثر بالتغيير الذي حصل على صعيد الإدارة الأميركية بعد خروج ترامب منها، خصوصاً انّ مواقف السفيرة بدت حادّة في أيام الرئيس السابق، تماشياً مع سياساته «الهجومية»، علماً انّ خبراء يستبعدون أيّ تحول في جوهر ادبياتها السياسية والديبلوماسية، ربطاً بثوابت الخيارات الاستراتيجية الأميركية، وان يكن التكتيك يتحمّل التعديل تبعاً لشخصية الرئيس.
تجدر الإشارة الى انّ شيا امضت اجازة عيد الميلاد في مصر، وهي التي كانت ضمن الطاقم الديبلوماسي للسفارة في القاهرة قبل تعيينها سفيرة في بيروت. ثم توجّهت بعد إجازة الاعياد الى الولايات المتحدة، حيث واكبت المتغيّرات هناك، لتعود بعد ذلك إلى لبنان وتستأنف نشاطها.
ووفق معلومات العارفين، أكّدت السفيرة الأميركية أمام أحد المسؤولين الذين التقت بهم اخيراً، بأنّ الولايات المتحدة «دولة مؤسسات واستراتيجيات، وبالتالي فإنّ جوهر سياساتنا ثابت ولكن المقاربات هي التي تتبدّل».
وبالنسبة الى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان الاسرائيلي، دعت شيا الى الإسراع في إنجاز الترسيم الحدودي بالترافق مع استلام الادارة الأميركية الجديدة مهامها، وذلك من خلال تفعيل مفاوضات الناقورة.
اما في ما خصّ الأزمة السياسية، فقد اعتبرت شيا، حسبما نُقل عنها، انّه يجب الاستعجال في تشكيل الحكومة، مشيرة الى انّ هذا الأمر هو «شأن داخلي ولا تتوقعوا منا ان نشكّل نحن حكومتكم».
وتبعاً للمطلعين، لم تتوقف شيا لا من قريب ولا من بعيد عند مسألة مشاركة «حزب الله» أو عدمها في الحكومة، ما دفع هؤلاء الى الإستنتاج بأنّها أرادت ان توحي بأنّه ليس لواشنطن تحديد من يدخل الى الحكومة أو يخرج منها.
واللافت، قول شيا خلال احد لقاءاتها، انّ «بعض السياسيين والإعلاميين اللبنانيين يفترضون اننا نعمل عندهم، وانّهم هم الذين يرسمون سياستنا، إلى درجة انّ هذا الأمر أصبح موضع تندّر من قِبل الديبلوماسيين المعنيين بدائرة لبنان وسوريا في الخارجية الاميركية، خصوصاً عندما كان هذا البعض يقرّر بالنيابة عنا العقوبات ويختار توقيتها، ويحدّد أسماء الشخصيات التي ستُعاقَب ويستبعد أخرى».
وأوضحت شيا، انّ الإدارة الجديدة برئاسة بايدن تحتاج إلى وقت لترتيب أمورها، متوقفة عند تراجع عدد موظفي وزارة الخارجية من 18 ألف موظف الى 13 الفاً خلال الفترة السابقة، «وهذا من شأنه ان ينعكس على وتيرة الإهتمام ببعض الملفات».