بقلم : عماد مرمل
عند إجراء جردة حساب سياسية بعد تكليف السفير مصطفى أديب بتشكيل الحكومة، يضع البعض «حزب الله» على لائحة الرابحين من مفاعيل هذه التسمية. فما هي الاعتبارات التي تقف خلف قرار الحزب بدعم تكليف أديب من دون أي تحفظ أو تردد؟
من الأساس، كان اسم الرئيس سعد الحريري هو الخيار المفضّل لدى الحزب. وعندما أراد الرجل الاستقالة بعد انتفاضة 17 تشرين حاولَ الحزب، كما الرئيس نبيه بري، ثَنيه عن ذلك وإقناعه بضرورة البقاء، على قاعدة تنفيذ الخطة الاقتصادية والاصلاحية العاجلة التي كان قد جرى إقرارها تحت ضغط غضب الشارع، الّا انه أصَرّ على موقفه وخرج لاحقاً من السرايا الحكومية.
وعندما بدأ البحث في اسم رئيس الحكومة الجديد عاد برّي والحزب الى تعويم ورقة الحريري، وبذلا جهداً كبيراً لِحضّه على القبول، إنطلاقاً من شعورهما أولاً بالحاجة الى علاقاته الدولية وحيثيته السنية لمواجهة تداعيات الازمة المتفاقمة، واقتناعهما ثانياً بأنّ مَن كان شريكاً على امتداد عقود في السياسات الاقتصادية والمالية التي أفرزت المأزق الكبير يجب أن يكون شريكاً كذلك في معالجة التداعيات وتَحمّل المسؤولية. كادت ثمرة الحريري ان تنضج آنذاك، لكنّ النقص في الميثاقية المسيحية بفعل موقف «القوات اللبنانية» الرافض لتكليفه دفعه الى الاعتذار. ضاقت الخيارات حينها أمام الثنائي الشيعي ورئيس الجمهورية، ليستقر الرأي في نهاية المطاف على الدكتور حسان دياب، فيما بقي قلب بري وعقل الحزب مع الحريري، في انتظار اللحظة المناسبة لإعادة «لَم الشمل» وتنشيط معادلة «ربط النزاع» الشهيرة.
لم تتأخر تلك اللحظة، إذ سرعان ما سقطت حكومة دياب تحت وطأة الضربات المتلاحقة التي تلقّتها من الأبعدين والأقربين على حد سواء. ومرة أخرى تطوّع بري بالتفاهم مع الحزب لـ»استعادة» الحريري الى السلطة. صحيح انّ القرار الهزيل الذي صدر عن المحكمة الدولية خَفّف نسبياً حاجة قيادة الحزب الى رئيس تيار «المستقبل» في مواجهة تداعيات الحكم، لكنه بقي بالنسبة إليها الاسم المتقدّم على غيره، وصاحب الأفضلية ربطاً بما تتطلّبه هذه المرحلة من شخصية قادرة على التواصل مع المجتمع الدولي واستقطاب المساعدات.
غير أنّ الحريري افتقر من جديد الى النصاب الداخلي والخارجي الكفيل بتغطية تكليفه و»تصفيحه» سياسياً، فقرّر العزوف عن الترشح الى رئاسة الحكومة. هنا، انتقل الثنائي الى الخطة «ب»، وقوامها ان يتولى الحريري اقتراح الشخصية التي ستكلّف بتشكيل الحكومة، على أن تكون مقبولة من حركة «أمل» والحزب والرئيس ميشال عون و»التيار الوطني الحر». فكان أن وضع رئيس تيار «المستقبل» بالتنسيق مع رؤساء الحكومات السابقين وبرعاية فرنسية لائحة من 3 أسماء: إثنان للاكسسوار وثالث للتكليف هو الدكتور مصطفى أديب، الذي تلقّفه بري والحزب بارتياح.
ولكن، ما هي العوامل التي دفعت «حزب الله» إلى تأييد اسم أديب المدعوم من الحريري وزملائه في نادي رؤساء الحكومات السابقين؟ يعتبر الحزب، وفق المطّلعين على دوافعه، انّ قراره بدعم أديب ينسجم مع موقفه الاصلي الداعي الى تسمية الحريري او من يختاره، إدراكاً منه لضرورة ان يكون رئيس الحكومة في هذه اللحظة المفصلية منبثقاً من نسيج المكوّن الأكثر تمثيلاً في البيئة السنية، لأنّ من شأن ذلك أن يسهّل مهمته ويوفّر عليه معارك جانبية لإثبات مشروعيته.
أضف الى ذلك انّ تجربة حكومة الرئيس حسان دياب لم تحقق المأمول منها، لأسباب عدة، من بينها انّ الظروف فرضت ان تكون من لون سياسي واحد. وبالتالي، فإنّ الحزب يفضّل، تبعاً للعارفين، أن تحظى الحكومة الجديدة ورئاستها بأوسع غطاء سياسي ممكن لتحصينها وحمايتها وتفعيل إنتاجيتها وتمكينها من الانفتاح على الخارج.
ويشدّد القريبون من الحزب على انه كان ولا يزال من دُعاة توسيع المشاركة في عملية الانقاذ، لافتين الى انه تمسّك سابقاً ولاحقاً ببقاء الحريري، لأنه من غير المناسب أن يقفز المسؤولون الحقيقيون من السفينة وهي تغرق تاركين ركّابها يواجهون مصيرهم، بل عليهم ان يتحمّلوا مسؤولياتهم ويساهموا من موقعهم داخل قمرة القيادة في منع غرقها.
وعليه، فإنّ العارفين يؤكدون انّ الحزب يرحّب بعودة الحريري الى السفينة حتى يكون شريكاً في واجب إنقاذها، بمعزل عن انّ هذه الاستجابة تمّت تحت تأثير عصف انفجار مرفأ بيروت من جهة، ومبادرة مانويل ماكرون من جهة أخرى.
وانطلاقاً من هذه المقاربة، يشير المطلعون على موقف الحزب الى انه حريص على التعاون مع المبادرة الفرنسية وملاقاتها في منتصف الطريق، حتى تنجح الحكومة الانتقالية في إخراج لبنان من عنق الزجاجة.