يستمر السباق بين عجلات الوقت وأحصنة المبادرة الفرنسية، وسط تهيّب الجميع الإعلان عن إخفاق المبادرة، لغياب البدائل التي يمكن أن تعوّض عنها. إزاء هذا التهيّب لنعي المبادرة الفرنسية رسمياً، يستمر تمديد مهلتها الحكومية مرة تلو الأخرى، بتواطؤ من الجميع الذين لا يملك اي منهم جواباً واضحاً حول سيناريو ما بعد سقوط المسعى الفرنسي.
والمفارقة، انّ المبادرة التي وُجدت لإنقاذ لبنان أصبحت تحتاج إلى من ينقذها وانتشال صاحبها من المستنقع اللبناني، الذي سبق له تطويع اكبر الرؤوس والجيوش. والمفارقة الأخرى، انّ احداً في الداخل لا يستطيع أن يتحمّل جهاراً تبعات إعدام المبادرة، ولا احد جاهز أيضاً لدفع ثمن نجاحها.
عطلة نهاية الاسبوع لم تليّن موقف الثنائي الشيعي، الذي وضع حقيبة المالية ومبدأ تسميته للوزراء الشيعة خارج النقاش، لاسيما بعدما تيقن من انّ الرئيس ايمانويل ماكرون هو برّاء من «الاكسسوارات السياسية» التي أُضيفت الى الطبعة الأصلية لمبادرته. معادلة الثنائي استقرّت على النحو الآتي: اما نُعطى ما نطالب به واما شكّلوا من دوننا اذا استطعتم.
ولئن كان البعض يعتبر انّ هذه المعادلة تنطوي على نوع من التحدّي، فإنّ القريبين من الثنائي يرون انّ لديه كامل الحق في طرحها، انطلاقاً من كونه يملك كتلة نيابية وازنة عددياً وحاسمة ميثاقياً، وبالتالي يندرج في صميم قواعد اللعبة البرلمانية والديموقراطية، ان تضع كتلة بهذه المواصفات شروطاً للانضمام الى الحكومة ومنحها الثقة، فإن تمّت تلبية تلك الشروط حصل خيرٌ، وإن رُفضت يجب على من رفضها ان يكون جاهزاً او متوقعاً للسيناريو التالي.
وقد أتى كلام البطريرك الماروني بشارة الراعي المرتفع السقف، والردّ الحاد من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ليضيفا ابعاداً شديدة الخطورة الى المشهد العام الذي اتخذ، من ناحية، طابع الاصطفاف المذهبي، ومن ناحية اخرى، طابع الاصطفاف الطائفي.
َوبينما يتعرّض تحالف حركة «امل» - «حزب الله» إلى اتهامات من جهات عدّة بأنّه يتعمّد تعطيل مسعى ماكرون، تؤكّد اوساط قيادية في الثنائي الشيعي، انّه كان ولا يزال يدعم المبادرة الفرنسية ويسعى الى انجاحها، «لكن المشكلة تكمن في أنّ هناك من يحاول تأويل محتواها وتفسيره، بما ينسجم مع بعض الحسابات والمصالح». وتنبّه الاوساط، أولئك الذين «يكبّرون الحجر ويحمّلون المسعى الفرنسي حمولة زائدة، الى انّهم يخاطرون بإسقاط واحدة من أهم المبادرات الإنقاذية حيال لبنان».
وتستشهد الاوساط بحصيلة لقاء مسؤول العلاقات الخارجية في «حزب الله» عمار الموسوي مع السفير الفرنسي في بيروت، لتثبت انّ هناك من «حاول أن يدسّ السمّ في «كرواسان المبادرة». إذ انّ السفير أوضح لممثل الحزب رداً على استفساراته، بأنّ المبادرة لا تتضمن المداورة، ولا تلحظ تشكيل حكومة من 14 وزيراً، ولا تعطي الرئيس المكلّف حق تسمية الوزراء، ولو كانت تحوي اموراً من هذا القبيل ما كنا لنوافق عليها في الأساس».
وتشدّد الاوساط، على أنّ تمسّك «الثنائي» بحقيبة «المالية» وبتسمية الوزراء الشيعة هو ليس موقفاً نهائياً وحسب، «بل انّه خارج دائرة التفاوض اصلاً، ومن يظن انّ ضغط المِهل او سيف العقوبات يمكن أن يدفعا الحركة والحزب الى التراجع في اللحظة الأخيرة انما يضيّع وقته».
َوتستغرب الاوساط، كيف أنّ الرئيس المكلّف ورؤساء الحكومات السابقين، يعطون لأنفسهم حق تسمية وزراء الشيعة والدروز والموارنة والارثوذكس، ومنع تلك المكونات من اختيار وزرائها، بينما مصطفى أديب في حدّ ذاته سمّاه نادي رؤساء الحكومات السابقين، ووافقت عليه الكتل الأخرى، فلماذا لا يتمّ اعتماد هذا المعيار مع «الثنائي»، بحيث يقترح هو الوزراء الشيعة، فيقبلهم او يرفضهم الرئيس المكلّف، إلى أن يتمّ التوافق معه على أسماء مقبولة من الطرفين».
وتعتبر الاوساط، انّه كان ينبغي على «الرئيس المكلّف ومن هم خلفه، ان يطلبوا منا ومن غيرنا تسمية افضل الوزراء الممثلين لطوائفهم، وهذا مطلب محق ومشروع. اما مصادرة التسمية والتمثيل فلا يمكن القبول بها». وتشير الاوساط، الى انّ «ما يطلبه المكوّن الشيعي لنفسه يريده ان ينسحب أيضاً على المكونات السياسية او الطوائف الاخرى، التي يجب أن يطلب منها الرئيس المكلّف اقتراح افضل من لديها لتسلّم المسؤوليات الوزارية، لا ان يفرض أسماء عليها».
وتكشف الاوساط، انّ «الثنائي» مستعد ان يقترح لـ«المالية» والحقائب الاخرى التي ستُسند اليه، اسماء مستقلة عن حركة «امل» و»حزب الله»، وتتناسب مع كون الحكومة المفترضة هي حكومة مهمة مكونة من اختصاصيبن، «لكن ان يتولى غيرنا التسمية بالنيابة عنا، فهذا امر يتعارض مع جوهر الدستور الذي يلحظ تمثيل الطوائف بشكل عادل في مجلس الوزراء».
وتوكّد الاوساط، انّ «الثنائي» يؤيّد اعتماد المداورة خارج «المالية» التي هي جسره الوحيد الى الشراكة في السلطة الاجرائية والقرار التنفيذي. وعلى الرغم من الخلاف المستجد بين الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري حول الملف الحكومي، الّا انّ الاوساط تلفت الى انّ هناك علاقة قديمة تربط بري مع آل الحريري، بدءاً من الاب وصولاً الى الابن، وهو حريص على عدم انهيار هذه العلاقة، بمعزل عن الأزمة الحالية ورفضه طريقة مقاربة الحريري لمسألة تشكيل الحكومة.