أين باريس من المحاولة الجديدة لتشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري بعد إخفاق تجربة مصطفى أديب وما أعقبَ ذلك من «كبوة» للمبادرة الفرنسية؟... وأيّ مقاربة يعتمدها الاليزيه منذ تكليف رئيس تيار المستقبل؟
اذا كان الحراك السياسي الذي استعاد زَخمه منذ ترشيح الرئيس سعد الحريري نفسه الى رئاسة الحكومة هو محلّي الطابع في ظاهره، الّا انّ الدور الخارجي، ولا سيما الفرنسي، يبقى حاضراً بقوة قي المشهد اللبناني، ولو انه َيتنقّل بين الضوء والظل، تِبعاً لطبيعة اللحظة ومقتضياتها.
وعلى الرغم من «الصدمة» التي تلقّتها باريس عقب «نَتِف ريش» مبادرتها في البدايات، استمرّ الاليزيه في رعاية الوضع اللبناني وإنما مع تغيير في التكتيك وإبطاء سرعة الاندفاعة الاولى التي حملت الرئيس مانويل ماكرون الى بيروت مرتين متتاليتين في وقت قصير.
خَفّفت باريس من حماستها المفرطة لتحقيق إنجاز لبناني سريع يعزّز رصيد رئيسها، بعدما ارتطمَت بأرض الواقع المعقّد والمتعرّج. وبالتالي، هي أدركت انها بحاجة إلى اكتساب النفس الطويل للفوز في ماراتون المبادرة.
ومن دون ضجيج، يواكب الفرنسيون التطورات السياسية والحكومة الأخيرة، مع التدخّل عند الضرورة لمعالجة أيّ عقد وإعطاء قوّة دَفع لمساعي الحلحلة، علماً انهم يفضّلون ان تتولى الجهات الداخلية معالجة التفاصيل، ما دامت قادرة على ذلك لوحدها، حتى لا يبدو كأنهم يفرضون وصاية مباشرة على لبنان.
ووفق المعلومات، يتابع الفريق الفرنسي المكلّف بالملف اللبناني بشكل شبه يومي المجريات المتعلقة بالوضع الحكومي، ويجري أحياناً اتصالات بهذه الجهة او تلك، لتسهيل بعض الأمور، وهو يضمّ كلّاَ من مدير المخابرات برنار ايمييه والمستشار الرئاسي الدبلوماسي ايمانويل بون والمستشار الرئاسي لشؤون الشرق الأوسط باتريك دوريل.
ويتولى هذا الفريق التفاعل مع الوقائع السياسية المستجدة ورَفع «زبدتها» الى الاليزيه، مع اقتراح توصيات وخيارات للتعامل معها، أمّا القرارات النهائية فتصدر حصراً عن ماكرون الذي وضع كل رصيده السياسي في حساب مغامرته اللبنانية. وبالتالي، هو مصرّ على الاستمرار بها، إنما على أساس تكييفها مع كل مرحلة تواجهها.
وعُلم انّ الفرنسيين مرتاحون للمنحى الذي تتخذه الأمور منذ تكليف الحريري، وهم مَسرورون للتحسّن الذي طرأ على العلاقة بين الرئيس المكلف من جهة والرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل بعد الاستشارات النيابية الملزمة.
وتُبدي باريس تقديرها للانفتاح الذي أظهَره الحريري عقب تكليفه، وبالتالي مُبادَرته الى كسر الحواجز السياسية والشخصية التي كانت تفصل بينه وبين رئيس الجمهورية ورئيس «التيار الوطني الحر».
ويستعجل الفرنسيون تشكيل الحكومة هذا الأسبوع، اذا أمكن، معتبرين انه يجب أن تتم الاستفادة من دينامية التكليف والايجابيات التي تَلته على مستوى المواقف السياسية، من أجل إنجاز التأليف في أقرب وقت، قبل أن تطرأ ايّ تطورات غير محسوبة من شأنها تنفيس تلك الدينامية.
ولا تمانع باريس في أن تَتشكّل الحكومة من وزراء اختصاصيين، لديهم هَوى أو ميل سياسي ومُرضى عنهم من قبل القوى الداخلية، شرط أن يتحلّوا بالشخصية القوية وألّا يخضعوا الى إرادة تلك القوى في كل شاردة وواردة.
ويولي الاليزيه اهتماماً وأهمية لـ4 حقائب يعتبرها مفصليّة على الصعيد الإصلاحي، وهي: المالية والاتصالات والطاقة والعدل. وبالتالي، يأمل في أن تُناط تلك الحقائب الحيوية بالوزراء المناسبين.
وهناك بين السياسيين القريبين من باريس مَن يُرجِّح انها لا تعارض ان يتولى وزير مقبول من قبل «التيار الحر» حقيبة الطاقة، على سبيل المثال، إذا جرى الاتفاق على ذلك، إنما شرط عدم تقيّده بالأجندة الحزبية للتيار، «أمّا اذا حصل تفاهم حول مبدأ المداورة في الوزارات، فإنّ الفرنسيين سيكونون من المُرحّبين أيضاً».