بقلم - عوني الكعكي
بعد الڤيديو المسرّب، الذي كشف تصريحاً نارياً للرئيس ميشال عون، وهو ما ظلّ خفيّاً الى حد ما حتى اليوم، عبّر خلاله رئيس الجمهورية أمام رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب عما يفكّر به جديّاً، وما يخفيه في سريرته، من أن «لا تأليف وأنه (أي الحريري) يقول عطينا ورقة، بيكذب، عامل تصاريح كذب، وهلّق ليك قديش غاب، ليك حظهن اللبنانيين، وهلأ راح ع تركيا ما بعرف شو بيأثّر».
إنّ الحدث ليس عادياً، والفضيحة أكبر، تصل الى حدّ الكارثة، إذ أنّ ما صرّح به الجنرال عون يدلّ على أنّ رئيس الجمهورية لا يستطيع التركيز، لا بل أكثر من ذلك، إنه لا يميّز بين ما يقوله فعلاً، وبين ما يدّعيه بعد ذلك.
يمكن لرئيس الجمهورية إنكار ما يشاء، ويمكنه نفي ما قاله أمام رئيس حكومة تصريف الأعمال، ولكن ماذا نفعل بالتسجيل الذي سجل أكبر عدد من المشاهدين قد يفوق عدد سكان لبنان.
وبالعودة الى «الفضيحة الموثّقة»، فإنّ الرئيس عون كان قد استقبل الرئيس المكلف سعد الدين الحريري، الذي قدّم له -بعد زيارات متكررة- تشكيلة حكومية كاملة من 18 وزيراً، تتضمّن توزيعاً للحقائب، على أساس معايير ومبادئ واضحة.
إنّ إنكار الرئيس تسلّمه أي لائحة من الرئيس المكلف، كما ورد في التسجيل الفضيحة، تدحضه وقائع ثابتة... نبدأها برد الرئيس الحريري على كلام عون بعبارة من الكتاب المقدّس ذات دلالات عن المكر والغش «ان الحكمة لا تَلِجُ النفس الساعية بالمكر، ولا تحلّ في الجسد المسترق للخطيئة، لأنّ روح التأديب القدوس يهرب من الغش، ويتحوّل عن الأفكار السفيهة، وينهزم إذا حضر الإثم».
وبعد رد الرئيس المكلف، نذكّر فخامته بتغريدتين سابقتين على صفحته عبر التويتر، يؤكد فيها أنّ الرئيس الحريري قدّم له تشكيلة حكومية كاملة، وأنه في المقابل سلّمه طرحاً حكومياً متكاملاً.
وحاولت بعبدا بعد «التسريب الفضيحة» تخفيف وقع الإساءة، فقالت عبر مصادرها: «إنّ ما نشر من كلام لعون أمام دياب، ليس إلاّ لقطات مقتطعة، لم تَنْقُلْ كامل الجملة التي تنفي فيها ما قاله الحريري عن ان عون سلّمه لائحة أسماء».
إنّ بلوغ العهد في هذه العدوانية الشخصية ضد الرئيس المكلّف، حدوداً بات يُطرح معها السؤال الكبير: كيف يمكن لعون والحريري أن يتعايشا بعد في تجربة حكم مشتركة؟
وأقول بصراحة: إنّ الإجتماعات التي تحصل في القصر الجمهوري مسجلة... فكيف يمكن للرئيس عون نفي شريط موثّق ومسجّل، نشرته كل شاشات التلفزة بالصوت والصورة؟
وأتساءل: هل يجوز لمسؤول كبير بمركز رئيس للجمهورية، التصرّف على هذا النحو، وبهذه الطريقة؟
الحدث الفضيحة، لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام، لأنه كلام خطير ويرتّب مسؤوليات على قائله.
والسؤال الأهم: ما هو الحلّ؟
برأيي، وبكل صراحة وبساطة، يجب على الرئيس أنْ يُجْريَ عدداً من الفحوصات الطبّية، ليتأكد من أنّ حالته الصحّية طبيعية. فإذا تبيّـن أنّ هناك مرضاً ما، أو خللاً ما، يجب إعلان ذلك ليعاد النظر في كل شيء.
إنّ كلمة كذب كبيرة وخطيرة، يمكن أن تؤدي الى عواقب وخيمة، لا يعرف أحد الى أين ستصل، واستعمال مثل هذه الألفاظ غير مسموح ولا مقبول.
إنّ كلام فخامة الرئيس هذا، غير لائق، جاء بعد تصريح «طويل عريض» للوزير السابق جبران باسيل، يحتج فيه على الحريري، ويتهمه بمحاولة إقصائه عن الحكومة، إضافة الى طرح جديد يطالب بمؤتمر تأسيسي، لأنّ «البلد لا يمكن أن يحكم هكذا» على حدّ قوله، وأشار الى أنّ الأمور تبدّلت وتغيّرت، لذا يجب إعادة النظر في كل شيء.
كما تمسّك الوزير السابق باسيل بالثلث المعطّل، ما يعني أنّ هناك نقصاً في الثقة بالنفس وبالحلفاء الذين يريدون الهيمنة على قرارات الحكومة.. ولعل هذا الشرط هو الأصعب.
الحل الطبيعي أولاً: ان توجّه الإتهامات الى باسيل كونه المعطّل الأول للتأليف.
ولم يكتفِ «صهر العهد» بما قاله، بل تحدّث عن المداورة في الوزارات، والتي تمّ خرقها -حسب ما يعتقد- من ثنائي «حزب الله» وحركة أمل بإصرار هذا الثنائي على وزارة المالية، من دون وجه حق، متناسياً إصراره على الدفاع والداخلية والطاقة والعدل. لأنّ وزارة العدل تؤمّن بقاء غادة عون تسرح وتمرح في جبل لبنان، خصوصاً وأنّ لا الرئيس الحريري ولا الرئيس دياب استطاعا الإفراج عن التشكيلات القضائية التي احتجزها عون في «أدغال» قصر بعبدا.
أما زيارة الرئيس المكلف لتركيا، فأظن أنّ الدعوة التي تلقاها الحريري من أردوغان، والغداء الذي أقامه على شرفه، تركا أثراً سلبياً عند فخامة الرئيس، خصوصاً بعد خسارة عون للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عندما لم يُلَبّ دعوته لتشكيل حكومة إختصاصيين، إضافة الى إقفال الدول العربية وتحديداً الخليجية أبوابها أمام فخامته. فبات عون في عزلة تامة...
باختصار، ان فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس، بعد فضيحة الشريط المسجّل، وبعد كلام ولي عهد الرئيس جبران باسيل...
والحمدلله الذي «حشر» العهد في الزاوية، بالأدلّة الدامغة، ليظهر على حقيقته، وبأنه لا يقول الحقيقة كما هي.