بقلم : إميل أمين
من بين أهم مراكز الأبحاث الأميركية التي تقدم رؤى استشرافية ويتقاطع عملها مع عمل قطاع الاستخبارات في الولايات المتحدة، يأتي مركز «ستراتفور»، الذي تطلق عليه الصحافة الأميركية اسم «وكالة مخابرات الظل».
جرى العرف كل عام أن يصدر «ستراتفور» في أوائل العام تقييماً عن توجهات الأحداث الدولية في العام الجديد، وعادة ما تكون القراءات مسوقة بالتطورات الجيوسياسية في العام الفائت وأثرها على ديناميكيات السنة الجديدة.
سطور قليلة تسربت من التقرير، الذي سيصدر بشكل كامل في الثالث من يناير (كانون الثاني) المقبل، وفيها إشارات أولية إلى خيوط 2022 وبعض من خطوط طوله وعرضه.
تبدو البداية من عند كابوس فيروس «كوفيد - 19»، بمتحوره الأحدث «أوميكرون»، والحديث دائر عن احتمال تفشي أنواع جديدة من الفيروس.
سطور «ستراتفور» بشأن «كوفيد - 19» يشوبها شيء واضح من الغموض، وقد تتكشف بعض ملامح خريطة «كوفيد» في العام الجديد، وما ينتظر البشرية، مع إتاحة التقرير كاملاً.
يرتبط انتشار الوباء بالوضع الاقتصادي حول العالم، وعند أصحاب التقرير أن نمو الاقتصاد العالمي سوف يستمر قوياً نسبياً، وسيحدث انتعاش ملحوظ، لكنه سيكون أقل مما جرت به المقادير في 2021.
يهتم التقرير في صورته الأولية بأوضاع الاقتصاد في الولايات المتحدة، لا سيما أنه في حين بذلت إدارة الرئيس جو بايدن جهوداً واضحة لتحفيز النمو المالي بشكل غير مسبوق، لكن رغم ذلك سيتراجع النمو في الولايات المتحدة في العام الجديد، وفي أفضل الظروف سيكون النمو معتدلاً، كما أن هناك عراقيل بعينها لا تزال في طريق خطط بايدن من بين الديمقراطيين أنفسهم، كما أن النمو غير المستدام وإن ارتفع مستواه إلا أنه سيزيد من فرص التضخم؛ الأمر الذي سيقود الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى زيادة أسعار الفائدة بدءاً من عام 2022.
من بين القضايا المعقدة الواقفة خلف الباب في العام المقبل، وغالباً الأعوام وربما بقية العقد المقبل، قضية الحروب السيبرانية.
الخطوط الأولية في «ستراتفور» تذهب في طريق تصاعد الهجمات الإلكترونية ذات الدوافع المالية، لا سيما من قِبل العصابات التي تستهدف أجهزة الجيل الخامس وأجهزة إنترنت الأشياء؛ ما يستدعي زيادة متطلبات الأمن الإلكتروني الجديدة.
عطفاً على ذلك، لا يتوقع كاتبو التقرير، أن تنجح الجهود الأميركية بنوع خاص، في مواجهة القراصنة الروس تحديداً، حيث عصابات برامج الفدية الروسية، ناهيك عن المخاوف من أن يكون العام الجديد، حيث انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس، فرصة جديدة لتدخل روسي محتمل.
تبدو الصين عاملاً مشتركاً في الكثير من توقعات «ستراتفور» للعام المقبل، ولا يزال موضوع تباطؤ قطاع العقارات في المقاطعات الصينية مستمراً، عطفاً على تراجع مبيعات الأراضي؛ ولهذا قد ينتهي نمو الصين في عام 2022 إلى أقل من هدفها لعام 2021 الذي يتجاوز 6 في المائة.
يفتح التقرير الباب واسعاً لتخمينات بشأن أوضاع فيروس «كوفيد» في الصين، ومدى تأثيره على السوق الصينية، وبخاصة في ظل ازدياد أعداد المصابين بالفيروس في تحوره الجديد، وقيام الصين بإغلاق مناطق سكنية.
ولعله من الطبيعي ألا يغفل التقرير حالة العداء بين بكين وواشنطن، لا سيما أن الولايات المتحدة تقيد وصول الصين إلى التكنولوجيا الغربية، وتحافظ على الرسوم الجمركية المرتفعة على السلع الصينية، كما أن إدارة بايدن تواصل بصورة أو بأخرى قيودها على وصول الصين إلى التكنولوجيا، لا سيما الأنواع الفائقة منها كالذكاء الصناعي والروبوتات وأشباه الموصلات.
وفي سياق الصين نفسها تبدو قضية جزيرة تايوان عصا في عجلة العلاقات الصينية - الغربية عامة، وليس الصينية - الأميركية فقط، لكن التوقعات لا تقول بأن الصدام يمكن أن يصل إلى درجة المواجهة المسلحة ما بين بكين وتايوان، ربما حفاظاً على شعرة معاوية مع واشنطن وبروكسل.
جاءت تسريبات «ستراتفور» في وقت تعاني فيه المفاوضات في فيينا بشأن برنامج إيران النووي حالة من حالات التعثر الشديدة، والمخاوف من الفشل قائمة؛ الأمر الذي يفتح أبواب المستقبل على سيناريوهات المواجهة العسكرية.
تبدو جماعة «ستراتفور» ميالة إلى فكرة الاتفاق المؤقت أو المحدود، والتي تعني تخفيض إيران سرعة أنشطتها النووية، وفي المقابل ترفع الولايات المتحدة بعضاً من عقوباتها على نظام الملالي، أما السبب الذي يسيطر على تفكير المنظّرين للقضية في دائرة «ستراتفور» فهو خوف الطرفين من أن يؤدي الصدام إلى حرب واسعة النطاق، تكون تكلفتها باهظة على الجانبين.
هل كان للتقرير أن يهمل أوضاع أفغانستان ومآلاتها بعد الانسحاب الأميركي؟
تبدو «طالبان» في مواجهة ضغوط اقتصادية واجتماعية كبيرة، حيث تحاول تغيير فكرة العالم عنها، وتسعى لتحقيق توازنات بين التوقعات الداخلية والخارجية.
السطر الأخير والخطير في التسريبات موصول بالأوضاع بين روسيا وأوكرانيا، حيث توقعات «ستراتفور» أن روسيا وحال فشل المفاوضات الأمنية مع واشنطن يمكن أن تقدِم على عملية عسكرية ولو محدودة تجاه أوكرانيا.
أهلاً بكم في 2022.