نصف قرن من الانهيار

نصف قرن من الانهيار

نصف قرن من الانهيار

 لبنان اليوم -

نصف قرن من الانهيار

أمينة خيري
بقلم : أمينة خيري

ما جرى فى مصر على مدار نصف قرن جدير بالبحث لعلنا نخرج بدروس تقينا شرور اللدغ من جحر مرتين وثلاثًا. نصف قرن من السكوت عن- أو الترويج- لخطاب ثقافى قالوا إنه دينى مستورد لا يمت لمصر والمصريين بصلة أدت بنا إلى ما نحن فيه اليوم من مسخ اجتماعى وقبح معيشى. نصف قرن من السكوت عن فصام المجتمع المتدين بالفطرة الفهلوى بالسليقة أدت إلى ما نحن عليه اليوم من تصنيف فساد الكبار باعتباره فسقاً وفجوراً، وفساد الصغار باعتباره «تقليب رزق» و«أكل عيش». نصف قرن كانت كفيلة بتحول مفهوم العمل من إنتاج وابتكار إلى تعليم صورى بغرض «السمسرة». اليد العليا فى سوق العمل لـ«السمسرة».

وتبدأ من شراء موبايل من شارع عبد العزيز وبيعه بأعلى من سعره لصديق، وتمر باحتراف بيع وشراء السيارات المستعملة، وتنتهى ببيع العقارات والوحدات السكنية ذات الأسعار الخرافية حيث العمولة مُرضية ومتطلبات الوظيفة لا تخرج عن إطار الهندام والقدرة على الكلام والإقناع. ومن يعجز عن السمسرة فى «الأشياء» يسمسر«فى أملاك الحكومة ومتاعب الناس: «سايس» يتحكم فيمن يوقف سيارته أين؟ وبكم؟ نصبة شاى تحتل حرم الرصيف، فرشة ملابس ومصدر الكهرباء عمود الإنارة، وجحافل متسولين فى كل مكان وأى مكان ومنهم الأصحاء وصغار السن والمصطحبات عشرات الأطفال والرضع، وهلُمَّ جرًّا.

وفى حال الاعتراض، فإن المعترض حتمًا عديم القلب متحجر المشاعر، فهؤلاء يأكلون «عيشًا»، ولا مجال للحديث عن الدولة والقانون والبحث عن فرص عمل حقيقية، وإلا يتم تصنيفك باعتبارك شريرًا زنديقًا. نصف قرن من قلب الموازين، وانهيار المعايير، وتحول الفهلوة إلى أسلوب حياة، وانتفاء صفة الإنتاج عن العمل، وتحول الأخلاق والفضيلة والقيم إلى «رأى الشيخ» فى دخول الحمام وحكم الصلاة بالشراب ورؤية الخاطب لخطيبته، بغض النظر عما يجرى وراء الأبواب المغلقة، جعل منا ما نحن عليه اليوم.

اليوم نجد من ينظر إلى ملف مخالفات البناء والتعدى على أراضى الدولة وتصحيح الأوضاع باعتباره ظلمًا وجورًا وعدوانًا على الغلابة والمساكين. اليوم نرى من يجادل ويعترض على من يجبره على العمل نظير الراتب الذى يتقاضاه. اليوم نرى لمة الناس على الميكروباص غير المرخص منزوع الأرقام الطايح فى الشارع ليترجوا الضابط أن يرأف به لأن وراء السائق البلطجى المسكين الخارج على القانون الغلبان «سبع عيال بيصرف عليهم».

اليوم نرى من يهاجم المطالبين بتطبيق قوانين تنظيم الأسرة ويسميها «حرية شخصية»، لكنه لا يعتبر دعم «الحرية الشخصية» من جيوب دافعى الضرائب تعديًا على حرية دافعى الضرائب الشخصية فى المطالبة بخدمات مدفوعاتهم. اليوم نرى من كان ينتظر فتوى تخبره بأن الصلاة فى مسجد تم بناؤه على أرض مغتصبة حرام. ما تم تدميره على مدار نصف قرن لن ينصلح فى خمسة أشهر أو سنوات.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نصف قرن من الانهيار نصف قرن من الانهيار



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 18:25 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 18:10 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جمعية يافا ومهرجان الزيتون والرسائل العميقة

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 11:49 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 لبنان اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:56 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"واتساب" يُعلن عن ميزة تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
 لبنان اليوم - "واتساب" يُعلن عن ميزة تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon