بقلم : أمينة خيري
المقارنة هذه المرة من وحى رمضان ومقارنة أجوائه، زمان والآن، ولا تتعلق به مباشرة. والمقصود بزمان سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى، فهذه فى رأيى سنوات التغيرات المجتمعية الكبرى التى أدت إلى ما نحن فيه الآن من شكل ومحتوى مختلف للمجتمع.
منذ تفتحت عيوننا على الدنيا، والقضية الفلسطينية حاضرة فى التاريخ والجغرافيا وفى دروس اللغة العربية ونشرات الأخبار. لا أتذكر سنة أو عقدًا أو فترة زمنية لم تفرض فيه القضية نفسها على كل منا.. لكنها كانت «القضية الفلسطينية» دون نكهات تدق على أوتار شعبوية أو ألوان تدغدغ عصب الدين والمعتقد. كان «الصراع العربى الإسرائيلى» موضوع الساعة وكل ساعة، قبل أن يتحول صراعًا دينيًا، صراعًا بين الإسلام واليهودية، أو بين المسلمين (فقط المسلمين) واليهود (وأحيانًا يحلو للبعض أن يضيف أديانًا أخرى على أساس أن كل أديان الكوكب تتربص بالإسلام والمسلمين). وسواء تم تحويل الصراع من سياسى إلى دينى، أو تم تغيير دفة الأزمة من مصيبة الاحتلال إلى صراع الأديان بفعل «الصحوة» الدينية التى ألمت بالعديد من الدول، ومنها مصر، أو بفعل فاعلين آخرين، تبقى النتيجة واحدة. تم تديين القضية. والمقصود بالصحوة هنا هو الفكر والفعل اللذان تسللا إلى مصر فى السبعينيات. يسميها أنصارها «عودة الإسلام للمسلمين بعد بعدهم عنه»، وتجلت فى زيادة التقوى الدينية واعتماد الثقافة الإسلامية فى الملابس، لاسيما النساء، وتعميم مفردات دون غيرها مثل «بالله عليك» بدلًا من «من فضلك» و«الشكر لله» بدلًا من «عفوًا» و«السلام عليكم» بدلًا من «آلو»، والفصل بين الجنسين، ومحاربة الموبقات، واعتبار كل مسلم شرطيا بالفطرة.
أما المطالبون بدراستها كمرحلة تأثرت بالسياسة والاقتصاد وحراك المجتمع وأعادت صياغتها جميعًا، فلا يعتبرونها صحوة، بل خطة ومنظومة تم تدبيرها وإطلاقها والتأكد من تمكنها من أوصال المجتمع. عمومًا، لا يمكن فهم تديين القضية الفلسطينية وتحويلها من صراع سياسى وظلم احتلال إلى صراع دينى يوجب على المسلمين وحدهم الانتفاض عليه لنصرة دينهم بدون النظر فى صحوة السبعينيات.
بالطبع، لعبت إسرائيل دورًا معتبرًا فى الدق على الوتر الدينى للصراع وتقوية شوكته؛ لأنه ببساطة يفيدها ولا يضرها.. ناهيك عن أن نسبة كبيرة من الإسرائيليين على قناعة بـ«وعد الله» بأرض فلسطين وهيكل سليمان.. إلى آخر الفكرة. لكن حبل التديين الملقى، تلقفه أيضًا كثيرون فى مجتمعنا وتفننوا فى إحكامه حول الرقاب. «خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود».. و«على القدس رايحين شهداء بالملايين»، وغيرها، ليست مجرد شعارات، لكنها تمثل محطات فى طريق التديين. صادفت معارف من الشباب لا يصدقون أن هناك فلسطينيين مسيحيين!، وأقابل أناسًا يعبرون عن سعادتهم بأن جيرانهم من المسيحيين متضامنون مع قضية المسلمين (يقصدون القضية الفلسطينية). وأرى بنفسى الدهشة فى عيون البعض من مشاركة غير المسلمين فى مسيرات مؤيدة لغزة وأهلها، على اعتبار أن غزة هى الإسلام وأهلها مسلمون. ما جرى ليس صحوة بكل تأكيد.