بقلم : أمينة خيري
هل يحق للمذيع أو المذيعة أن يبكى فرحاً أو بؤساً أو قلقاً على الهواء مباشرة؟ وهل يمكن اعتبار هذا البكاء ابتعاداً عن الحياد، أو توجيهاً للرأى العام، أو تأثيراً على المشاهد؟ بكاء الممثلين والممثلات فى الأعمال الدرامية أمر مقبول ومعروف للجميع أنه جزء من الحبكة الدرامية. أما المذيع فإن دموعه أو دموعها تخضع للقيل والقال والتحليل وربما التعليل. السنوات التى أعقبت بداية عصر السموات المفتوحة وتناثر وتكاثر القنوات الفضائية فتحت الأبواب أمام المذيعين والمذيعات ليتفاعلوا وينفعلوا أمام الكاميرات دون التقيد كثيراً بقيود الشاشة الفضية الكلاسيكية.
هذه القيود القديمة كانت تعتبر المذيع ممنوعاً من التعبير عن مشاعره طالما هو على الهواء مباشرة. لكن عصر السموات المفتوحة تزامن وبدء تفتيت وإعادة تشكيل الشرق الأوسط حيث غزوات وحروب وصراعات واقتتالات و«ثورات» مازالت تدور رحاها، وهى الأحداث والحوادث التى فتحت أبواب التعبير عن المشاعر على الهواء مباشرة.
فى عام 2006 وتحديداً حرب «تموز» التى شنتها إسرائيل على لبنان فتحت أبواب بكاء مذيعين ومراسلين على الهواء مباشرة، وهو البكاء الذى ساهم فى توضيح فداحة ما جرى فى لبنان فى ذلك الصيف. لكن يبدو أن دموع المذيعين والمذيعات بدأت تتسلل هنا وهناك باعتبارها وسيلة مضمونة لتحقيق الترند وطريقة مضمونة لرفع نسب المشاهدة. صحيح أن جانباً من هذه الدموع نابع من فداحة أو روعة الموقف، لكنها تبقى دموعاً فى خانة الاتهام تارة وفى مربع الإشادة تارة.
وقبل ساعات وعقب الإعلان الرسمى عن فوز بايدن، فتحت دموع فان جونز المعلق السياسى فى قناة «سى إن إن» أبواب الترند والتعليق والتقرير والتغطية الإعلامية المكثفة على مصاريعها. دموع الفرحة التى «انهمرت» من عينى جونز تم استخدامها بشتى الطرق للدلالة على «الفرحة العارمة» لهزيمة ترامب. لم يكن جونز، الذى كان ضمن الطاقم العامل مع الرئيس السابق أوباما، وحده من بكى فرحاً على الهواء، بل بكى غيره من المذيعين والضيوف الديمقراطيين فى قنوات عديدة.
المذيع إنسان شأنه شأن غيره من البشر. ولدينا كوكبة من المذيعات ممن ينصفن تحت بند «دمعتها قريبة»، وهو ما يدغدغ مشاعر الكثيرين. وبالبحث فى سوابق بكاء المذيعين على الهواء مباشرة، وجدت أن لكل بكاء غاية مساوية له فى المقدار وعكسه فى الاتجاه، حيث تنطلق الغاية من عينى المذيع الباكيتين إلى قلب المشاهد وعقله. المثير أيضاً أن البحث عن «بكاء المذيع» على «جوجل» يسفر عن آلاف البكائيات من قبل مذيعى قناة الجزيرة على آلاف الأحداث والحوادث، وهو ما يستحق التفكر والتدبر، وربما بعضاً من التعقل. على أى حال، يظل المذيع بشراً يتأثر فرحا وحزناً، يفقد السيطرة على مشاعره أحياناً ولكنه يظل- أو يفترض- أن يكون أعلى قدرة على السيطرة على مشاعره، لا سيما على الهواء مباشرة.