بقلم - سوسن الشاعر
الجميع، بمن فيهم الولايات المتحدة الأميركية، موافقون على حلّ الدولتين، المجتمع الدولي قابل ومتحمس ويعترف أنه لا سبيل للسلام إلا بحلّ الدولتين، حتى بادين وضع ذلك هدفاً له من أجل تحقيق مكاسب انتخابية، فحلّ الدولتين أصبح الآن مطلباً شعبياً دولياً يضغط على أي حزب ينوي الترشح في أوروبا أو أميركا، وإسبانيا أول الحراك الأوروبي، الذي أعلن عن استعداده للاعتراف بالدولة الفلسطينية، حتى إن كان اعترافاً منفرداً بعيداً عن الاتحاد الأوروبي.
المجتمع الدولي بأسره يطالب بالاعتراف بدولة فلسطينية، والمبادرة العربية موجودة، والاتفاق العربي موجود، وأحزاب اليسار الإسرائيلي سبق أن أعلنت عن قبولها حل الدولتين، الرافضون والمعرقلون هما أحزاب اليمين المتطرف الإسرائيلي و«حماس»، حتى السلطة الفلسطينية موافقة على دولة فلسطينية منزوعة السلاح تجمع بين القطاع والضفة وممر آمن بينهما، نحن إذن أمام إجماع غير مسبوق فلسطيني إسرائيلي، تعزز بسبب حجم الدمار وأعداد القتلى من الطرفين حين أخذت «حماس» ونتنياهو زمام المبادرة، وجربا أن يفرضا الحل المتصور عندهما على الآخر، والنتيجة أنه لم يجنيا سوى خسائر غير مسبوقة، أكبر عدد من القتلى في إسرائيل، وأكبر عدد من القتلى في غزة، دون أن يحقق أي منهما هدفه بمحو الآخر!
المجتمع الدولي يتحرك دبلوماسياً، ودعت الصين إلى مؤتمر دولي من أجل إطالة أمد الهدنة ومناقشة حل الدولتين، لكن ما لم يشكل هذا الإجماع الدولي قوة دفع تفرض بالإجبار على الطرفين المعارضين القبول والخروج من السلطة، فإن أي هدنة أو وقف لإطلاق نار لن يصمد طويلاً، ولن يكون سوى فرصة لالتقاط الأنفاس سرعان ما سينتهي ونعود لدائرة النار من جديد.
الطرفان؛ «حماس» ونتنياهو، يضعان أهدافاً غير واقعية وصعبة القياس لقتالهما، والطرفان اتفقا على أن يصورا هزيمتهما انتصاراً، فإعلام الاثنين يزيد من أعداد خسائر الطرف الآخر، ويرفض أي حديث عن هدنة أو وقف إطلاق نار ويعتبره خيانة، لأنهما ببساطة يعلمان أن أي تراجع يعني تعرضهما للمحاسبة الداخلية، وخسارتهما ستكون القاصمة ونهاية وجودهما السياسي، بل إن جلسات محاكمة نتنياهو استؤنفت في عز القتال بين الطرفين، وعليه فلن يقبل أي منهما أي تراجع عن موقفهما الرافض للحل، والإصرار على أهدافهما التي تعني إبادة الآخر.
المفارقة أن الطرفين اتفقا على استخدام ورقة إطلاق سراح الرهائن لامتصاص الغضب الداخلي فقط، بل إن «حماس» وضعت أسماء فلسطينية من الضفة الغربية في قائمة من تطالب بإطلاق سراحهم مقابل إطلاق رهائن إسرائيلية كي تجد لها موقعاً شعبياً داخل الضفة، وتظهر نفسها على أن لها قبولاً عند جميع الفلسطينيين، وأن أي حل مستقبلي لا يمكن تجاوزها فيه، وكأن الأمر تحول إلى خلاف شخصي على مواقع سياسية وسلطة، فـ«حماس» تعرف أن ما قامت به في 7 أكتوبر (تشرين الأول) لم ينهِ إسرائيل، ونتنياهو يعرف أنه لن ينهي «حماس» بحربه البرية واجتياحه لكامل غزة، وعليه ما لم يأخذ المجتمع الدولي زمام القرار نيابة عن الاثنين، فلن يكون هناك حلّ، وسيخسر الجميع، بما فيهم حلفاء إسرائيل، المعركة. وعلى رأسهم بايدن، الذي اقتربت ساعة الاستحقاق الانتخابي عنده.