بقلم - سوسن الشاعر
المسلسل كتبه صانع البشوت «حسن العبدي»، ويمثل دوره في المسلسل «فرحان» قبل أربعة وعشرين عاماً، وترك النص لم يجد فرصة لأنه عمل ملحمي ضخم يحتاج إلى كلفة إنتاجية عالية.
يعرض الآن على قناة «إم بي سي» وعلى منصة «شاهد»، وعلى الرغم من أن العمل لم يحظ بأي اهتمام إعلاني مسبق قبل رمضان، مثل بقية المسلسلات الخليجية والعربية التي عُنيت القناة بالإعلان عنها بشكل مكثف، مبشرة بحصيلة ثرية من الدراما الرمضانية، مما جعل الالتفات للمسلسل يأتي متأخراً عند العديد من المشاهدين بعد أن أتخمتهم السفاهة والإبهار المعتمد على البهار فحسب في الإنتاج الخليجي والعربي، إلا أن المشاهدين وجدوا ضالتهم في هذا المسلسل المختبئ بين الزخم الوافر من الإنتاج الدرامي؛ فإذ به يشد ويجذب، ويجعلك جزءاً منه منذ حلقته الأولى، ثم تتشبث مشاهده وشخوصه بثنايا عقلك حتى بعد أن تغلق الشاشة، لأنك لا تريد أن تشاهد ما يعكر صفو الإبداع بعده.
هكذا تكون الدراما المكتملة، الحبكة الروائية، العقدة، التسلسل، البساطة التي لا تعيب بل تثري، إنما السر كل السر كما قال مخرج العمل الشاب السعودي عبد العزيز الشلاحي الذي في الثلاثينات من عمره، يمكن في التفاصيل.
أبطال المسلسل سعوديون بنسبة 98 في المائة، وريم أرحمة التي أبدعت في دور بدرية بسهلها الممتنع هي البحرينية الوحيدة فيه، وشهاب حاجي الكويتي كان ضيف شرف، أما بقية كادر الممثلين فسعوديون وغالبيتهم حساوي، لكننا نستطيع أن نقول إنه وضع علامة فارقة في تاريخه الفني، وبالأخص عبد المحسن النمر الذي يحتاج إلى وقفة لوحده على هذا الأداء الرائع الذي فرّغ فيه كل ما جمعه من إرث وتجربة متراكمة، نجح فيه بجمع التناقضات البشرية الطبيعية؛ الجبن بالقسوة، الأب الحنون بالمعذّب الذي لا يرحم، الذمة الواسعة والاستشهاد بالدين وبقول الله عز وجل، هذه التركيبة أضف لها خفة دم تظهر في الموقف لا في الإفيهات والسخف والابتذال، النمر في خيوط المعازيب كفة تعادل ما قبلها.
ثم نأتي لما وفره الإنتاج الضخم والكبير الذي سخر للعمل، ويعده هنا أحد أبطال المسلسل، إن لم يكن هو البطل الرئيسي، ويبدأ بطاقم المخرجين الستة وعلى رأسهم المبدع مناف عبدال، واختيار الأفضل من الكفاءات للديكور والموسيقى التصويرية ومواقع التصوير التي استغرق بناؤها في مدينة الأحساء أكثر من سبعة أشهر، وتصميم الديكور الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة تفلت من تحت يده في اختيار الحقبة الزمانية والموقع الجغرافي الذي انعكس على كل ما ظهر على الشاشة، ولأن الموقع، وهو «الأحساء»، موقع ثري بما يضم من تنوع جغرافي وتاريخي وديموغرافي، فإن المهمة لم تكن سهلة بتاتاً، فلست في خيم بسيطة وسط صحراء، إنك في منطقة بها عدة أدوات إنتاجية، الزراعية منها والحرفية، ودخلت عليها الصناعية بعد اكتشاف البترول، ولكل منها تفاصيله الدقيقة والكثيرة، خاصة إن كنت تتكلم عن صناعة كصناعة البشوت العربية العريقة التي تعد الأحساء أشهرها وأغناها.
أجمل ما في المسلسل أن كل شخصية كانت مشبعة في كل مشاهدها، وكساها الممثل لحماً، وهذا يعود لورشة العمل الكتابية التي أغنت النص الأصلي ونفخت فيه الروح، وللمخرج الذي أخرج الإبداع الكامن لدى الجميع صغيرهم وكبيرهم، الشباب والأطفال، ومعتوق الذي ستحبه رغم فظاظته.
المسلسل أشيد به كثيراً، وأهل الأحساء وجدوا فيه ضالتهم التي ألقت الضوء على «الأحساء»، هذا الموقع السعودي البكر فنياً والمبشر بالمزيد.
خلاصة القولٍ
«خيوط المعازيب» مدرسة درامية جديدة فليحرص الإنتاج السعودي على ألا يتنازل عن مستواها.