لبنان والتاريخ الذي يعيد نفسه

لبنان والتاريخ الذي يعيد نفسه!

لبنان والتاريخ الذي يعيد نفسه!

 لبنان اليوم -

لبنان والتاريخ الذي يعيد نفسه

بقلم: حسين شبكشي

هناك مسائل ووقائع مهمة تحصل في تاريخ الأمم والشعوب لا يمكن استيعابها إلا بمراجعة تاريخية حقيقية. فعلى المستوى الشخصي، أراقب باهتمام شديد تداعيات ما يحصل في لبنان هذه الأيام لما له من دلالات جيوسياسية بالغة الأهمية، وكذلك مشاهدة نموذج مهم لقصة نجاح ترويجي وخدمي ومصرفي وسياحي وتجاري وتعليمي وصحي وترفيهي وأدبي وفني للعالم العربي وهو يتآكل بالتدريج من الداخل ليتحول إلى أيقونة الدولة الفاشلة بامتياز.
تعود بي الذاكرة لتستحضر مواقف محددة خلال حقبة دراستي الجامعية في الولايات المتحدة الأميركية، عندما أعددت ورقة بحثية مطولة اخترت موضوعها الحرب الأهلية اللبنانية، فالبلد الذي كان مركزاً للإعلام العربي والمصرفية العربية تحول إلى ساحة اقتتال طائفية دامت لعقدين من الزمان، وشهدت احتلالاً إسرائيلياً قبيحاً لعاصمة دولة عربية، وهي بيروت؛ حرب مدمرة قضت على كل شيء جميل في لبنان، وكسرت الروح التي عرف بها اللبناني بإبداعه وتميزه. فالحرب الأهلية أظهرت جانباً موحشاً متوحشاً قاسياً دموياً لم يعرفه اللبناني عن نفسه.
حرب أهلية أفرزت شخصيات لم تعرف إلا لغة الدم والقتل أصبحت بين ليلة وضحاها تقود البلاد بمبادئ وأهداف وقيم تطابق شخصياتهم، وبالتدريج أُقصيت الشخصيات المستقلة والوطنية المحترمة من المشهد السياسي حتى لا يكون هناك صوت يعلو فوق صوت المافيا والميليشيا، وهما التوأمان السياميان المرتبطان بالرأس اللذان ولدا من رحم الحرب الأهلية نفسها، وأصبحا يتحكمان في مفاصل الدولة وقرارها.
بدأت افتتاحية ورقتي البحثية بمقولة جبران خليل جبران الخالدة عن لبنان التي قال فيها: «لكم لبنانكم، ولي لبناني»، والتي لا تزال على ما يبدو صالحة حتى اليوم، واستشهدت بكثير من الكتب التي صدرت وقتها تتحدث عن الحرب الأهلية في لبنان، ولعل من أهمها كتاب للكاتب الأميركي المعروف جوناثان رانديل معنون بـ«حرب الألف سنة». ومن هذه البيئة المسمومة، كان من الطبيعي أن يخرج تنظيم إرهابي تكفيري بمشروع عابر للحدود مثل «حزب الله»؛ تنظيم بلا رادع أخلاقي، وكل الوسائل مبررة عنده في سبيل تحقيق غاياته. ادعى أنه مقاوم لإسرائيل، ثم تحول مع الوقت إلى مقاوم لكل من يعترض على مشروعه الطائفي البغيض، وبات أعضاؤه ومؤيدوه أنفسهم غير مقتنعين بأنهم يقاومون إسرائيل حقيقة.
ولذلك، القضية اليوم بالنسبة إلى لبنان تتجاوز فكرة أزمة مع الدول العربية، ومع دول الخليج، ومع السعودية؛ الأزمة تتعلق ببلد تم اختطافه، وتحول إلى رهينة، ولم يعد يشبه لبنان القديم المعروف بأرزه وفيروزه و{منؤشته}. وهناك فريق من اللبنانيين أدرك ذلك الأمر؛ أن عليهم استعادة البلد، وفريق آخر رأى أنه لا يمكن التعايش مع بلد «حزب الله» في الجغرافيا نفسها. ولذلك، التحدي الحاصل اليوم هو بحث عن الذات اللبنانية. وبناء على التوجه الذي سيقرره اللبنانيون، سيحدد العرب والخليج والسعودية قرارهم بخصوص نوع العلاقة المرجوة مع لبنان. ساذج وسطحي من يعتقد أن الأزمة في لبنان هي نتاج انفجار مرفأ أو اغتيالات لعشرات من رموز البلد دون معرفة للجناة المسؤولين، أو تصريح ساذج لوزير إعلام، لأن الموضوع له علاقة بشكل وهوية لبنان نفسه، ونوع العلاقة التي يرغبها مع محيطه العربي المباشر.
قبل الحرب الأهلية في لبنان، لم تكن الأمور ولا الأوضاع مثالية بأي حال من الأحوال، ولكن كانت هناك هوية لبنانية واضحة، وحوار بيني بين زعماء وطنيين يتحاورون لأجل أفضل الأفكار والآراء لمصلحة لبنان، ولم يكن هناك من يجرؤ على الجهر بالقول إن ولاءه لبلد آخر وزعيم آخر، وإنه وأنصاره يتلقون تمويلهم كافة منه. يحتفل لبنان هذه الأيام بعيد الاستقلال، ويستعد لانتخابات برلمانية مهمة، وهناك من يعتقد بتفاؤل أنها فرصة لإعادة وجه لبنان القديم، والاحتفال باستقلال جديد، وأن العنصر المفاجئ سيأتي من لبنانيي المهجر الذين سجلوا للانتخاب بأعداد غير مسبوقة قد تصنع الفرق.
محزن أن يستمر بلد كلبنان في معاناة كالتي يمر فيها، ولكنه سمح لنفسه بهذا التحول، واليوم يدفع شعبه الثمن. هناك فرصة لتعديل الوضع، والخلاص من المافيا والميليشيا بشكل حاسم، ويبقى أن نراقب أي اختيار سيحدده اللبناني لبلاده، وعليه سيكون من الممكن تقدير الوضع المستقبلي للبلد، وعلاقاته بمحيطه العربي عموماً.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان والتاريخ الذي يعيد نفسه لبنان والتاريخ الذي يعيد نفسه



GMT 18:25 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 18:10 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جمعية يافا ومهرجان الزيتون والرسائل العميقة

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:31 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 لبنان اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:17 2014 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يجدد دماء المبادرة العربية

GMT 09:55 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي سعد لمجرد يُروج لأغنيته الجديدة "صفقة"

GMT 08:41 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon