مثّل اتهام روسيا بالقيام بهجوم إلكترونى على أجهزة الكمبيوتر الأمريكية تحولًا خطيرًا فى أشكال الصراع بين القوتين العظميين، وفتح الباب لنمط جديد من الصراع الدولى، قائم على الحرب الإلكترونية وأعمال القرصنة التى قد تخلف أضرارًا أكبر من الحروب التقليدية.
وكان قراصنة قد راقبوا بيانات داخل وزارات أمريكية، بما فى ذلك وزارات الخارجية والدفاع والأمن الداخلى والخزانة والتجارة.
وذكرت مجلة «بوليتيكو» نقلاً عن مسؤولين مطلعين أن وزارة الطاقة وإدارة الأمن النووى الوطنية لديهما أدلة على اختراق قراصنة شبكاتهما.
وأشارت وكالة الأمن الإلكترونى وأمن البنية التحتية الأمريكية إلى أن الجناة تمكنوا من اختراق شبكات الكمبيوتر باستخدام برنامج إدارة شبكات، صنعته شركة «سولار ويندز» لتكنولوجيا المعلومات، ومقرها ولاية تكساس الأمريكية.
وأُبلغت جميع الوكالات المدنية الفيدرالية الأمريكية بضرورة إزالة «سولار ويندز» من أجهزتها بسبب هذا الاختراق.
وقالت وكالة الأمن الإلكترونى وأمن البنية التحتية الأمريكية فى بيانها، يوم الخميس، إنها تحقق فى «أدلة على اختراقات إضافية، بخلاف منصة سولار ويندز أوريون».
صحيح أن وكالة الأمن الإلكترونى ومكتب التحقيقات الفيدرالى لم يعلنا صراحة عن المسؤول عن هذا الاختراق، بيد أن شركات أمن خاصة ومسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين ووسائل إعلام وجهوا أصابع الاتهام إلى روسيا.
وقد نفت السفارة الروسية فى أمريكا كما هى العادة مسؤوليتها عن هذا الهجوم وقالت إنها «لا تنفذ عمليات هجوم فى المجال الإلكترونى».
واللافت أن إدارة ترامب لم تخبر الشعب الأمريكى إلا أمس الأول بهذا الهجوم، واتهم وزير الخارجية بومبيو روسيا بأنها تقف وراء الهجوم الذى جرى فى شهر مارس الماضى.
وسواء اكتشفت إدارة ترامب الأمر فى وقته أم لا، فإن المؤكد أنها عرفته منذ أسابيع ومع ذلك اختارت الصمت، وهو ما دفع خصومها إلى اتهامها بالتواطؤ وعدم الكفاءة وكسر قيمة أخرى من أسس النظام السياسى الأمريكى قائمة على الشفافية.
والحقيقة أن الدلالات الأبرز لهذا الهجوم تمثلت فى جانبين، الأول فى قدرات خصوم أمريكا على الاختراق والقرصنة وليس صناعة نظم إلكترونية متطورة كما فى الولايات المتحدة، إنما فى التركيز على الاختراق والإيذاء، وهو أمر يتطلب مضاعفة ميزانية وسائل الحماية كما ذكر الرئيس المنتخب جو بايدن، وليس فقط ميزانية الابتكار والاختراع.
أما الجانب الثانى فيتمثل بهذا الضعف والحياد وعدم الاكتراث الذى تعامل به ترامب مع هذا الهجوم وكأنه جرى فى بلد آخر، خاصة أنه صاحب شعار أمريكا أولاً، واستدعى مفاهيم السيادة الوطنية بصورة مثلت عكس الخبرة الأمريكية التى بنى من خلال دورها فى النظام العالمى الجديد مفاهيم العولمة والتجارة الحرة وغيرها.
والحقيقة أن حياد ترامب فى قضية «اختبار وطنى»، مثل الاختراق الإلكترونى الأجنبى، وضع علامات استفهام عن مدى إيمانه بشعارات كثيرة يرددها وفعل أكثر من مرة عكسها.