القراءة العكسية لتجربة إردوغان
أخر الأخبار

القراءة العكسية لتجربة إردوغان

القراءة العكسية لتجربة إردوغان

 لبنان اليوم -

القراءة العكسية لتجربة إردوغان

عمرو الشوبكي
بقلم : عمرو الشوبكي

أثار الحكم الذي أصدرته إحدى المحاكم التركية بسجن عمدة إسطنبول أكرم داود أوغلو بتهمة الفساد انقساماً حاداً داخل تركيا، وانقساماً أشد في بعض البلدان العربية على خلفية الانقسام بين التيارات المدنية وتيارات الإسلام السياسي.

والحقيقة أن أحد الأخطاء الشائعة في بعض الدول العربية أنها تقرأ ما يجري في تركيا بالعين ذاتها التي تقرأ بها الانقسام حول تجربة «الإخوان» وفصائل الإسلام السياسي في مصر، بل وروَّج البعض لتهمة مضحكة حين عدّوا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحزبه جزءاً من التنظيم الدولي لـ«الإخوان»، وبالتالي نظروا لكل ما يجري في تركيا على أنه انقسام بين ممثل تيار الإسلام السياسي في تركيا أي إردوغان والتيارات المدنية ممثلة في «حزب الشعب الجمهوري»، في حين أن الواقع والتجربة التركية بعيدة عن هذه النظرة.

والأمر المؤكد أن تجربة «حزب العدالة والتنمية» في تركيا ليست لها أي علاقة بـ«الإخوان» والتنظيم الدولي، صحيح أن إردوغان وظَّف ورقة الإسلام السياسي وعدّها إحدى أذرعه في المنطقة وراهن في فترة على ورقة «الإخوان» لتحقيق مصالحه الإقليمية، وبعد أن اكتشف أنها ورقة خاسرة أعاد حساباته بكل براغماتية وعاد للنموذج الطبيعي في التعامل مع الدول بصرف النظر عن اتفاقه واختلافه معها في بعض أو كثير من الملفات.

إن تركيا مثل أي دولة إقليمية كبرى صنعت حلفاء وتابعين وأنصاراً في أكثر من بلد، ومنها بلدان عربية وتجلى ذلك في نجاحها في هندسة التغيير في سوريا ودعم الفصائل الإسلامية المسلحة حتى وصلت للحكم.

ومن هنا، فإن تجربة إردوغان في الخارج هي تجربة براغماتية تنظر لتيارات الإسلام السياسي العربية نظرة فوقية وعدَّت بعضهم أدوات يمكن توظيفها أو حلفاء يمكن الاعتماد عليهم ولو بشكل متبادل. أما في الداخل فهي في الحقيقة تعد أقرب لتجارب الدول العربية المدنية ولخطاب التيارات المدنية العربية أكثر من تيارات الإسلام السياسي، على عكس ما يتصور البعض الذين ظلوا أسرى ثنائية المدني والإسلام السياسي في السياق العربي التي تختلف تماماً عن السياق التركي.

إن بدايات الخبرة العلمانية التركية كانت إقصائية وفرضت نموذجاً حداثياً علمانياً يستبعد الدين من المجال العام وليس فقط المجال السياسي، ولكنها في الوقت ذاته فصلت الدين عن السياسة وهي قيمة مهمة ظلت باقية على مدار أكثر من 100 عام هي عمر الجمهورية التركية.

إن التحول الذي أحدثه إردوغان في النموذج العلماني يكمن في أنه اقترب أكثر من الدساتير المدنية العربية في التعامل مع الإسلام وإن كان ظل أكثر علمانية منها (رغم اتهامه بأنه إسلام سياسي) فقد احتاج إردوغان إلى ما يقرب من 20 عاماً ليصل إلى صيغة احترام حق النساء في ارتداء الزي الذي يرينه مناسباً، وسمح لهن بارتداء الحجاب من عدمه والذهاب للجامعات ودخول البرلمان والعمل في كثير من الوظائف الحكومية بصرف النظر عن طبيعة زيهن.

وهنا اقتربت تركيا أيضاً من النماذج العلمانية الأوروبية التي لا تتدخل في أزياء النساء إلا النموذج الفرنسي الذي يمنع ارتداء الحجاب في كل المؤسسات العمومية من مدارس ومصالح حكومية.

وقد ظلت تركيا في عهد إردوغان من البلاد الإسلامية النادرة التي تجد فيها السياح أو المواطنين الأتراك على مدار أيام السنة في المقاهي والملاهي بكل حرية ومن دون أي مشاكل.

لم يغير إردوغان جوهر المبادئ العلمانية التي وضعها مصطفى كمال أتاتورك الذي ما زالت صوره في كل مكان في تركيا، إنما جعلها أقرب للقيم الليبرالية الحديثة التي تقبل بالتنوع وتدير خلافاتها بالطرق السلمية التي لا تخلو أحياناً من سخونة وحدة.

صحيح أن إردوغان كثيراً ما تصرف مع خصومه بصفته أنه زعيم «شرق أوسطي» وأسس نظاماً فيه أبعاد سلطوية كثيرة ينتقم ويستهدف ولكنه ليس نظاماً دينياً إسلامياً، كما أنه لا يستطيع أن يلغي المعارضة أو يحل «حزب الشعب الجمهوري» لأن تركيا تغيرت ولم تعد مستعدة لقبول ذلك، كما أنه من الصعب أن يلقي القبض على زعيم معارض بوزن عمدة إسطنبول من دون أن تكون هناك شبهة فساد، صحيح أنه اختار التوقيت الذي يناسبه، وصحيح أيضاً أنه في حالات أخرى حمى فاسدين لأنهم مقربون منه.

تجربة إردوغان مملوءة بأخطاء كثيرة يمكن الاختلاف مع كثير أو قليل منها، إلا أنها على مستوى الفكر والممارسة هي ليست أقرب لتجارب أو مشاريع الإسلام السياسي العربية التي تدافع عنه كل يوم، إنما هي أقرب للتجارب المدنية العربية التي تنتقده (أو ينتقده جانب منها)، وإنه بات مطلوباً العمل على امتلاك نظرة واقعية ومتوازنة للتجربة التركية تؤسس لعلاقة مستقرة فيها فهم واحترام متبادل للمصالح المشتركة بين العرب والأتراك.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القراءة العكسية لتجربة إردوغان القراءة العكسية لتجربة إردوغان



GMT 21:09 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

عن الدولة و"اللادولاتيين" وما بعد الطوفان

GMT 18:29 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

دوشة الطرابيش

GMT 18:28 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

تريليونات ترمب وفلسطين

GMT 18:27 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

ذكريات الحرب وبطولات الأحياء!

GMT 18:26 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

شبكة الأردن... واصطياد السمك الإخواني

GMT 18:25 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

أيام ازدهار السياسات «الترمبية»

GMT 18:24 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

لبنان و«امتحان السلاح»

إطلالات محتشمة بلمسات الريش وألوان ربيعية تزين إطلالات النجمات

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 13:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يحمل إليك هذا اليوم كمّاً من النقاشات الجيدة

GMT 11:27 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تركز انشغالك هذا اليوم على الشؤون المالية

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 13:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 13:29 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 21:58 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 07:30 2025 الأحد ,16 آذار/ مارس

مفاهيم خاطئة شائعة حول ديكور المنزل

GMT 12:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:34 2016 الجمعة ,02 كانون الأول / ديسمبر

كيك الليمون الشتوية

GMT 15:48 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

بلماضي يمتدح زروقي ويكشف سر تجاهل توبة

GMT 13:04 2022 الأربعاء ,20 تموز / يوليو

مقدار الماء الذي يحتاجه الجسم في الطقس الحار
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon