بقلم : محمد أمين
قضيت العيد فى قريتى.. العيد هذه المرة مختلف.. وقد خرجنا من رمضان، فلا نوم ولا أكل.. كما أنه فى موسم الحصاد.. ولمن لا يعرف يعنى إيه موسم حصاد القمح.. يعنى ناموس بلا حصر.. وقد اعتاد أهلنا ذلك وتكيفوا معه.. أما أنا فقد قلت «وطن بالناموس خير من ناموس بلا وطن».. وتحاملت على نفسى.. وبالمناسبة فإن الناموس لا يلدغ أهل البلد بقدر ما يلدغ الضيوف.. وكأنه يعرف أهل البلد.. وكأنه يتتبع الأنفاس الجديدة.. وكانت معركة حربية تسيل فيها الدماء!.
لم أكن مستعدًا للمواجهة، ولم نتعامل مع «الناموسيات»، ولا الأقراص التى تكافح الناموس من أجل الحفاظ على الصحة والبيئة!.. وقررنا أن نعود من أول يوم، ولكنى ترددت خشية تفسير ذلك بطريقة خطأ.. وبقيت لليوم التالى أتألم ولا أصرخ، كانت محاولة لإثبات الذات فى مواجهة الناموس الغاشم.. وفى الليلة الثانية نمت من التعب، وليس لأن الناموس عقد هدنة أو قرر وقف إطلاق الهجمات!.
هذا هو موسم الحصاد، فإما أن تسافر وأنت مستعد، أو لا تسافر.. ولكننى من النوع الذى يحب الوطن، ويحب النوم على رصيف الوطن، فذلك خير من كنوز الدنيا.. حاول أخى إغلاق الشبابيك على مدى اليوم حتى لا يدخل الناموس لإحداث حالة تهدئة، لكن المحاولة باءت بالفشل بمجرد حضور الأهل فى المساء وإضاءة النور.. فالناموس يواصل الهجوم فى أى وقت من ليل أو نهار!.
وللأسف، فإن حياة كريمة لم تصل إلى قريتنا، والترعة مازالت مكشوفة.. والزبالة تملأ الترعة عن آخرها، وهى بؤرة للحشرات والناموس والذباب.. وكنت قد تواصلت مع الأجهزة المحلية فى مرة سابقة فتم تنظيف الطريق ورفع الزبالة، ولكن بعد أن عُدت من هناك، فلا أحد يتحرك فى الريف كما يتحركون هنا فى المدينة.. ويبقى المواطن درجة ثانية فى الريف عن أبناء المدينة، مع أننا جميعًا نتكلم عن المساواة فى الحقوق والواجبات.. ولكنه مجرد كلام على الورق، والمحافظون فى العاصمة غير المحافظين فى الأقاليم!.
فرق كبير بين محافظ عمل الـ«هوم وورك» ومحافظ لم يفعل الـ«هوم وورك».. محافظ يقضى إجازته فى القاهرة ومحافظ يقضى إجازة فى مقر عمله ويسهر على راحة الناس.. هذا الكلام لابد أن يكون له اعتباره فى حركة المحافظين المرة القادمة وكل مرة!.
غالبًا نحن نأخذ أولادنا إلى الريف ليتعرفوا على الأهل ويكتسبوا قيمة أن يكونوا رجالًا، يعيشون فى أى ظروف صعبة تواجههم فى الحياة.. كما أن أهل الريف يقولون: «علشان الورد نشرب العليق».. والمعنى علشان الحبايب نتحمل كل شىء.. وأزيد «علشان القمح نتحمل لدغات الناموس».. العيش مر ولقمة العيش لا تأتى بالساهل!.. ولكى نحصل على الدقيق لا بد أن نزرع القمح ونتحمل لدغات الناموس أو نتحمل دفع العملة الصعبة لاستيراد القمح!.
أخيرًا.. رغم صرخات الأطفال نذهب إلى الريف، ونستدرجهم فى كل مرة بإغراءات كبيرة، ونسافر على مسافات أبعد حتى ينسوا، وتكون الرغبة فى وصل الأهل أكبر من لدغات الناموس!.
النوم على رصيف الوطن خير ألف مرة من الغربة!.