بقلم : محمد أمين
المواسم فى مصر كثيرة، وكلها مواسم أكل وشراب ولحمة وفتّة.. منها الأشهر الثلاثة، ومنها الليالى العشر التى أقسم الله بها.. وبدأنا بالجمعة، وكل جمعة لها بركتها وجمالها.. وكنا نستعد لهذه الأيام كما نستعد لشهر رمضان.. بعضنا ينوى الصيام، وبعضنا يدخل فى مود شعائر الحج فيُهلِّل ويُكبِّر.. ومن الناس مَن يصوم يوم عرفة فقط.. ومنهم مَن يصوم الإثنين والخميس.. كلٌّ يجتهد حسب قدراته واجتهاده.. فى الريف هذه العادات مازالت قائمة!.
ومنذ ذهبنا إلى القاهرة، لم نعد نعرف أيام المواسم.. وهى أيام نطبخ فيها ونأكل اللحوم والبط، وهى مرتبطة بالموسم.. وكان الناس لا يخطبون ولا يتزوجون فى أيام المواسم.. لأن العريس عليه أن يقدم الموسم للعروسة، والموسم يرسلون فيه البط والفراخ والأرز والبطاطس والمكرونة والشعرية.. الآن لم يعد أحد يرسل الموسم. الناس تعبت.. وأصبحوا يدفعون مبالغ نقدية كلٌّ على قدر استطاعته!.
وبالمناسبة، فكلما كان أهل العروسين أقارب تتراجع قيمة الموسم حتى لم يعد موجودًا.. وأحيانًا يكون الموسم مقدسًا لأن العروسين أقارب، وهى العادة التى يحافظون عليها.. وهم يحافظون عليها لأنها الشىء الوحيد الذى يربط العائلة ويكون مثار التعليقات والغمز واللمز!.
أحكى لكم كيف أصبحنا فى المدن لا نعرف المواسم ولا مواعيدها.. عندما أهملنا الأيام مثل بداية رجب و27 رجب ونصف شعبان وبداية رمضان.. اسمها الأشهر الثلاثة.. وكان كل موسم له الاحتفال الخاص به. لم نعد نعرف الموسم عندما ربطنا الموسم بأكل اللحم. ثم نسيناها بعد أن أصبحنا نأكل اللحم طوال أيام الأسبوع!.
هل تعلم أن الزيجات كانت تتجنب المواسم والأشهر الثلاثة، وهل تعلم أن الخطبة كانت تحدث بعد العيد، وأحيانًا بعد العيدين؟.. إنها عادات مصرية يعرفها أهل الريف.. وقد يعرفها القليل من أهل الحضر الذين لهم جذور ريفية مثلى!.
ولا أنسى- فى غمرة الكلام عن المواسم- أن أتكلم عن أثر رحلة الحج فى نفوس المصريين.. وكانت لها فرحة، وكان البعض يقوم بطلاء المنازل، ويرسم عليها الكعبة والجمل، ويكتب: يا رايحين للنبى الغالى، ويبتهل إلى الله أن يرزقه الحج، ويظل يتابع الحجاج ويبتهل إلى الله بالدعاء.. وكلنا نشعر بالشوق لأداء فريضة الحج، وهى بالمناسبة حالة شوق إلى الروحانيات بعد أعوام الكورونا وأيام الحوادث الأخيرة التى روّعت المصريين!.
مواسم المصريين هى التى صنعت عادات أهل مصر.. وهى التى صنعت تقاليد المصريين، وهى مرتبطة بالدين وأهل البيت.. وقد عشنا عليها زمنًا حتى أكلتها الحداثة، فأصبحت المواسم شيئًا من التراث الجميل!.