بقلم : محمد أمين
فى كل معركة هناك فائزون وخاسرون.. وفى «معركة الكابيتول» خسر ترامب كل شىء الآن ومستقبلًا.. ولكن فازت نانسى بيلوسى وأصبحت شعبيتها ملء السمع والبصر من جانب المهتمين بالشأن العام، والشأن الأمريكى على وجه الخصوص.. لأنها حافظت على الأوضاع الدستورية فى البلاد، واستطاعت إدارة الأزمة بقوة وصلابة.. وحرصت على عدم تمكين الرئيس المنتهية ولايته من استخدام سلطاته لحرق الأرض.. وناقشت مع رئيس هيئة الأركان المشتركة منع ترامب من «بدء حرب، أو القيام بأعمال عدائية، أو شن ضربة نووية»!
وعندنا فى الشرق نقول امرأة بألف رجل.. ولكنهم هناك لا يعترفون بحكاية التمييز بين الرجل والمرأة.. وبالتالى فالحكاية ليست حكاية امرأة أو رجل، فهى هناك رئيس مجلس النواب الأمريكى ولها سلطات واسعة فى الدستور، وقد أثبتت واقعة الكابيتول أنها ملو هدومها، وبرغم الضغط العصبى وضغط الأحداث والهجوم على الكونجرس، ظلت صامدة واستدعت النواب لاستئناف الجلسة عقب تطهير المبنى من المحتجين، وعقدت الجلسة وقررت التصديق رسميًّا على أن يكون «بايدن» رئيسًا للولايات المتحدة، دون أن يهتز لها جفن!
هذه هى سيدة تعرف حدود صلاحيتها.. وتعرف قيمة الكونجرس، وتأثيره على عملية انتقال السلطة فى البلاد.. وتعرف أنها يمكن أن توقف الرئيس دون أن تتسبب فى مشكلة دستورية.. وبالتالى فلا أحد من الأمريكان يخشى أن تحكمهم سيدة من هذه النوعية، فهى ليست ناقصة عقلًا أو دينًا، ويمكن أن تظهر أحسن من الرجال المعاتيه مثل ترامب.. وهى لا تنسى أنه لم يسلم عليها من قبل، وقامت بتمزيق خطاب حالة الاتحاد.. وردت عليه على الفور!
ربما لم نكن نعرف إمكانيت نانسى بيلوسى، لولا أن ترامب كان فى الحكم.. وربما لم تظهر بيلوسى فى هذا البرواز لو كان هناك «رئيس عاقل» فى الحكم.. المسألة ليست «جمهورى» أو «ديمقراطى».. المسألة هى إيمان الرئيس بالديمقراطية، وإيمانه بأن المؤسسات الدستورية ينبغى أن تُحترم.. ولو كانت الأمور طبيعية ما عرفناها.. ولو كان لى أن أرشح مع بداية العام الجديد سيدة لهذا العام، ما استكثرت عليها أن تكون سيدة العام 2021، فهى قد تصدت لمحاولات ترامب المستميتة لتغيير النتيجة، ليبقى فى الحكم أربع سنوات أخرى!
وكنت قد كتبتُ مقالًا من قبل عن كامالا هاريس وأبديت إعجابى بها، لقدرتها على إقناع الأمريكان بانتخابها نائبة للرئيس، واليوم أكتب عن بيلوسى، وأرشحها لجائزة سيدة العام.. معناه أن سيدات أمريكا يتقدمن الصفوف ولديهن قدرة على الإدارة تحت ضغط، وأثبتن نجاحًا وتميزًا.. وأعتقد أنه زمن الستات فى الفترة القادمة، يوم تقود أمريكا من البيت الأبيض سيدة ملونة، وتدير الكونجرس سيدة أخرى!
باختصار، المجالس النيابية والبرلمانية ليست للموافقة والتصفيق فقط.. ولكنها موجودة لضبط الإيقاع، والمحافظة على رمزية المؤسسات الدستورية فى البلاد.. وقد نجحت بيلوسى فى الأزمة، على حساب الرئيس نفسه!