بقلم : محمد أمين
كان الراحل الكبير مفيد فوزى يقدم فى برنامجه «حديث المدينة» كل ما يشغل الرأى العام فى مصر، سواء كان سياسيا أو اقتصاديا وحتى اجتماعيا.. ولا أظن أنه لو كان مازال يقدم برنامجه، كان يمكن أن يتجاهل فى حديث المدينة ما أثير من جدل مؤخرا عن تصوير الجنازات والعزاءات، وضرورة وضع ضوابط قانونية وصحفية لكل ذلك، حفاظا على هيبة الموت وحرمة الموتى.. وكان يناقشها بكل الجدية ويستضيف المتخصصين لتسليط الضوء على القضية!.
فقد أثارت لقطات مصورة من مشهد جنازة الفنان الشاب مصطفى درويش جدلا كبيرا فى الوسط الفنى والصحفى والاجتماعى.. ولعل هذا الجدل ينتهى بنا إلى وقف عادة التصوير، أو احترام حرمة الموتى وهيبة الموت.. لقد نقلت العدسات صور فتيات تبتسم ابتسامة عريضة أو تضحك أمام الكاميرات، ما أثار غضب المتابعين وإثارة الجدل حول عمليات التصوير، وعدم احترام هيبة الموت!.
وعلى فكرة فإن تصوير العزاءات والجنازات ليس شيئا جديدا مرتبطا بتطور الإعلام والسوشيال ميديا.. فقد عرفنا جنازة عبدالناصر والسادات وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ وغير هؤلاء من السياسيين والفنانين، فالقصة ليست جديدة ولا بدعة، ولكن كان يشوبها الاحترام والتقدير لأسرة المتوفى وعائلته ولم تكن لالتقاط لقطة لزوم التريند!.
وكانت لها ضوابط عند العائلات والجمهور، وكان المصورون يفعلون ذلك بوقار وتقدير كبير لحرمة الموت، ومعظمهم كانوا محترفين يعرفون الأصول.. الآن تغيرت المواقف والأحوال، وأصبح كل من يملك موبايلا بكاميرا يصور ويرسل للصحف والمواقع أو ينشر على صفحته الشخصية مباشرة دون مراجعة محترفين فى ديسك الأخبار أو الديسك المركزى!.
المثير أن العزاءات والجنازات أصبحت تمتلئ بالمصورين الذين لا يعرفهم أهل الميت، وقد يتسببون فى أزمة لهم بعد إجراءات العزاء.. خاصة عندما تخرج لقطة من العزاء مثل لقطة ابتسامة البنات.. وهى طبيعية جدا لو نظرنا إلى أن الكاميرا تجسد لحظة وقد تكون لحظة تشبه البكاء أو الابتسامة.. إنها جزء من الثانية لكنها أصبحت قصة!.
صحيح أنها أوجعت الكثيرين من أصدقاء مصطفى درويش الذين يعرفون طيبته وأخلاقه، وكتبوا عنه شهادات محترمة، والبعض كتب كواليس صورة البنات، والتمس لهن العذر، حتى حزنت أننى لم أكن أعرف مصطفى درويش للأسف، وهو تقصير منى!.
لا تستغرب أن هناك تخصصا فى الصحافة الآن اسمه قسم العزاءات والجنازات لأنه كاشف لطبيعة العلاقات الاجتماعية فى مصر، ويحظى بقراءة كثيفة.. وقد نواجه مشكلة فى عدم النشر لأن هناك من يحتج وينشر لأنه سوف يلتزم بالضوابط والقواعد!.
باختصار نحن لسنا ضد النشر، لكن نحن مع المراجعة وتقنين الضوابط واحترام الخصوصية، وهى لا تأتى من النقابة، لكن من كل صحيفة تنشر هذه النوعية من الأخبار المصورة دون هوس، أو اختراق للخصوصية وانتهاك للمشاعر!.