«بيرل هاربر» التي لا تغيب
أخر الأخبار

«بيرل هاربر» التي لا تغيب

«بيرل هاربر» التي لا تغيب

 لبنان اليوم -

«بيرل هاربر» التي لا تغيب

عبد الرحمن شلقم
بقلم : عبد الرحمن شلقم

سُئل الأستاذ والدبلوماسي السياسي الأميركي الكبير هنري كيسنجر، ما الذي على السياسي أن يقرأه؟ أجاب كيسنجر، التاريخ. في التاريخ يسكن معمل الإدارة الإنسانية الشاملة. فيه أفعال الكبار من السياسيين، والقادة العسكريين، وإبداع المفكرين والفلاسفة التي غيَّرت مسارات الحياة. في التاريخ حياة تكشف روابي الانتصارات، وحفر الهزائم والنكسات. من التاريخ نتعلم محركات الانتصارات، وهفوات الهزائم. لحظة اندفاع قصيرة، يقفز فيها مَن بيده القرار الأعلى، إلى وهم رغبوي، يقود أمته إلى هلاك لا خلاص منه. الحربان العالميتان الأولى والثانية، أسستا لعالم جديد في كل شيء. تفككت إمبراطوريات، ووُلدت دول جديدة، بآيديولوجيات ومذاهب سياسية واقتصادية مختلفة. الحرب العالمية الأولى قدح شرارتها، شاب صربي وطني متعصب، عندما أطلق النار على الأرشيدوق فرانز فرديناند، ولي العهد المجري النمساوي وزوجته. ارتفع الانفعال السياسي، وتشكل تحالف عسكري بين دول أوروبا. التوتر والاحتباس السياسي والتحالفات العسكرية، كان لها فعل كامن في الدول الكبيرة. اغتيال ولي العهد المجري النمساوي، كان سقط الزند الرقيق الذي أشعل النار العالمية الكبرى. كانت أوروبا في حالة سيولة قلقة، تبحث عن صيرورة تكوين وتوازن آخر. نيران الحرب تسخن حديد الواقع ليطرق كي يتغير.

في الحرب العالمية الثانية، ألمانيا كانت هناك مثلما كانت في الأولى. عريف نمساوي بسيط، حارب مع الجيش الألماني، في الحرب العالمية الأولى أشعل بخطبه المشتعلة، وحركة يديه المتشنجة، حرباً عالمية غير مسبوقة أو ملحوقة. مدينة غدانسك البولندية، التي غزاها هتلر بعد تفاهم ميونيخ حول أزمة تشيكوسلوفاكيا، دفعت فرنسا وبريطانيا إلى إعلان الحرب على ألمانيا النازية. في أيام قليلة تمكّن الجيش الألماني من احتلال فرنسا. استسلمت فرنسا للجيش الألماني، واضطرت مئات الآلاف من القوات البريطانية والفرنسية، إلى الهروب من ميناء دنكرك الفرنسي، نحو الجزيرة البريطانية، في سبعة أيام في يونيو (حزيران) سنة 1940 بقيت بريطانيا بمفردها في مواجهة الجيش الألماني المتفوق براً وجواً.

وجد رئيس الوزراء البريطاني الجديد ونستون تشرشل نفسه، أمام مهمة شبه مستحيلة، وهو مواجهة القوة الألمانية النازية الضاربة. شخصيات سياسية مهمة داخل حكومته وخارجها، مالت إلى حتمية التفاوض مع ألمانيا والتصالح معها لإنقاذ بريطانيا، لكن رئيس الوزراء ونستون تشرشل، أصرَّ على المواجهة العسكرية مع الكيان النازي مهما كلف الأمر. الحلم الذي علَّق عليه أمله، كان دخول الولايات المتحدة الأميركية الحرب إلى جانب بريطانيا. منذ اندلاع الحرب في أول سبتمبر (أيلول) 1939، كانت الولايات المتحدة محايدة رسمياً، والتزمت بقوانين الحياد المتمثلة بعدم الانخراط في الصراع في أوروبا وآسيا. لم يكن هناك إجماع في الرأي العام الأميركي على مساعدة بريطانيا عسكرياً ضد ألمانيا، حيث مالت أغلبية من الشعب الأميركي، إلى أن بريطانيا، ستخسر الحرب ما لم تقف الولايات المتحدة إلى جانبها عسكرياً.

ضربة القدر جاءت، عندما هاجمت القوات الجوية والبحرية اليابانية الأسطول الأميركي، في ميناء بيرل هاربر في السابع من ديسمبر (كانون الأول) سنة 1941. فقدت أميركا 21 سفينة بين الغرق والتحطيم، ودُمرت 88 طائرة أميركية، وقُتل 2403 أشخاص. خطب الرئيس فرانكلين دي روزفلت في جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي، وصف في خطابه، ما حدث في بيرل هاربر، بيوم العار الذي سيذكر بالخزي. أعلن بعدها الكونغرس مباشرة الحرب على اليابان، وبدأ الدعم العسكري الأميركي يتدفق إلى بريطانيا والاتحاد السوفياتي. مباشرة بعد هذا التطور الحلم، صرح ونستون تشرشل قائلاً: لقد انتصرنا في حربنا على ألمانيا النازية. وفي مساء اليوم الذي شنّت فيه قوات الإمبراطورية اليابانية الهجوم على الأسطول الأميركي في بيرل هاربر، قال أدميرال ياباني: لقد بدأت هزيمتنا، عندما صفقنا لنصرنا بعد هجومنا على أميركا في بيرل هاربر.

كان الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر الأميركي، قفزة حساب خاطئة في لحظة وهم عبثية، قادها الجنرال إيسورو كوياما ماماتو، قائد الأسطول الياباني المشترك، الذي اعتقد أن ذلك الهجوم يشكّل الفرصة الوحيدة للانتصار في الحرب. قبل ذلك كانت ألمانيا النازية، وإيطاليا الفاشية، والإمبراطورية اليابانية، قد وقّعت اتفاقية للدفاع المشترك، وشكَّلت بذلك ما عُرف بقوة المحور في الحرب العالمية الثانية. القفزة العبثية نفسها التي قام بها العريف الفوهرر الألماني عندما قرَّر شنّ الحرب على الاتحاد السوفياتي، الذي وقع معه معاهدة روبنتروب مولوتوف بعدم الاعتداء، واتفق مع الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين على تقاسم أرض بولندا. ذات القفزات العبثية، التي قام بها الدوتشي الفاشي بينيتو موسوليني، عندما دفع بقواته إلى فرنسا لدعم القوات الألمانية، التي احتلت فرنسا وخسر الآلاف من قواته في الجبال الجليدية، ودعم القوات الألمانية في هجومها على الاتحاد السوفياتي، وكذلك هجومه على القوات البريطانية في العلمين، وتقدمه إلى اليونان. كان القادة العسكريون الإيطاليون، يرون أن قواتهم غير مؤهلة للدخول في أي معارك عسكرية، لكن موسوليني كان همّه الأول والأخير، أن يجلس على مائدة المفاوضات عند نهاية الحرب، يكون له نصيب في ثمار النصر.

بيرل هاربر، ساعات قليلة ولدت عالماً جديداً، قسمت العالم وغيَّرته. بدأت في اليابان، حيث انتهت بقنبلتين ذريتين عليها، وأصبحت تحت هيمنة أميركا، وفي ألمانيا حيث دمَّرت وقسمت وانتحر زعيمها المقدس، وفي إيطاليا حيث قُتل الزعيم وعلق من قدميه. «بيرل هاربر»، هي حالة لا تغيب. تولد بلا توقف في رؤوس الواهمين الذين تنخرهم السلطة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«بيرل هاربر» التي لا تغيب «بيرل هاربر» التي لا تغيب



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

إطلالات محتشمة بلمسات الريش وألوان ربيعية تزين إطلالات النجمات

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 13:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يحمل إليك هذا اليوم كمّاً من النقاشات الجيدة

GMT 11:27 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تركز انشغالك هذا اليوم على الشؤون المالية

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 13:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 13:29 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 21:58 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 07:30 2025 الأحد ,16 آذار/ مارس

مفاهيم خاطئة شائعة حول ديكور المنزل

GMT 12:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:34 2016 الجمعة ,02 كانون الأول / ديسمبر

كيك الليمون الشتوية

GMT 15:48 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

بلماضي يمتدح زروقي ويكشف سر تجاهل توبة

GMT 13:04 2022 الأربعاء ,20 تموز / يوليو

مقدار الماء الذي يحتاجه الجسم في الطقس الحار
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon