الجنرال الروسي الذي لا يغيب

الجنرال الروسي الذي لا يغيب

الجنرال الروسي الذي لا يغيب

 لبنان اليوم -

الجنرال الروسي الذي لا يغيب

عبد الرحمن شلقم
بقلم : عبد الرحمن شلقم

قلوب البشر اليوم، تنبض بالحزن والعطف على ما تشهده غزة من إبادة رهيبة تهزّ العقول، وتدفع الآلاف للتظاهر في كل قارات العالم دون توقف، إدانة لما يعانيه أهل غزة من قتل وتجويع وتدمير شامل. الحرب الروسية على دولة أوكرانيا، صارت في ظل الاهتمام السياسي والإعلامي الدولي. لكن هذه الحرب تمثل الناقوس المرعب الحاضر في المحافل السياسية الدولية. لقد اصطفّت الدول الغربية إلى جانب أوكرانيا، وقدّمت لها المال والسلاح، وفرضت عقوبات ثقيلة واسعة على روسيا. روسيا لم تتراجع، ولم تغير أو تعدّل استراتيجيتها. تؤكد كل يوم على أنها لن تنسحب من الأراضي الأوكرانية التي احتلتها وضمّتها إلى دولتها الاتحادية. التلويح بالتصعيد الشامل والواسع للحرب، لا يغيب عن الأصوات الروسية الرسمية، خصوصاً بلسان أنتوني ميدفيدف التوأم السياسي لبوتن. الصواريخ طويلة المدى التي لها سرعة غير مسبوقة، وحمولتها التدميرية الهائلة، كانت التهديد المتكرر على التصعيدَين السياسي والعسكري الغربيّين. تطورات على الصعيدَين السياسي والعسكري لا تتوقف. انضمام دولة السويد إلى حلف شمال الأطلسي، ضيّق قوس الحصار العسكري على الدولة الروسية، ودعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الدفع بقوات من حلف الناتو لمساندة القوات الأوكرانية، حرّك الحواس السياسية والأمنية في العالم. كان الرد الأميركي والأوروبي سريعاً وقوياً. الرفض العلني لما قاله الرئيس الفرنسي ماكرون.

الصراع الأوروبي - الروسي، كان حاضراً في أغلب حلقات التاريخ. وقرَّ في عقول القادة الأوروبيين، أن مَن يريد السيطرة على أوروبا، فلا بد له من حكم ألمانيا، ومن أراد أن يحكم العالم، فعليه أن يبدأ بروسيا. نابليون بونابرت، اجتاح غرب القارة عسكرياً، حاملاً معه ما عدّه البشارة الفكرية والسياسية للثورة الفرنسية. شجعته انتصاراته الكاسحة، على الاندفاع نحو الأراضي الروسية الواسعة. هناك كانت حفرة الهزيمة الواسعة والعميقة أيضاً. المقاومة الروسية العنيدة المدعومة بقوة الطبيعة العصية، ثلوج روسيا التي لا تُقهر. لقد فقد نابليون أكثر من ستمائة ألف من قواته بين قتيل وجريح وأسير، وهرب مَن بقي من الأجساد الفرنسية النحيلة، التي نخرها المرض والجوع، وغاضت في متاهة الهزيمة المرعبة. أدولف هتلر الذي اجتاح الأراضي الواطئة في حملة المنجل في تكتيك التفافي، تمكّن من اجتياح فرنسا، التي اعتقد قادتها السياسيون والعسكريون بأن حصن خط ماجينو سيمنع الألمان من اجتياح فرنسا. انسحبت القوات البريطانية عبر دنكرنك، ورفع الألمان أعلامهم بصليبها المعقوف فوق قوس النصر وبرج إيفل بباريس. لقد تمكّن هتلر قبل ذلك من ضم النمسا وتشيكوسلوفاكيا إلى رايخه الثالث، وتقدم نحو بولندا بعد توقيع اتفاقية «مولوتوف روبنتروب» بعدم الاعتداء مع الاتحاد السوفياتي. لقد اعتقد هتلر جازماً، بأن كل أوروبا أصبحت في قبضة يده، فحتى إيطاليا موسوليني الفاشية، صارت حديقته الخلفية الخاضعة له. لم تبقَ إلا بريطانيا المرتبكة، التي لم ترفع راية الخضوع لهتلر بعدما وقّع رئيس وزرائها نيفيل تشمبرلين، اتفاقية الترضية لهتلر في ميونيخ. صار الاتحاد السوفياتي، أرض النفط والحقول الزراعية الواسعة، والكيان الشيوعي الذي يعدّه أدولف هتلر عدوه الأكبر، صار جوهرة تاج الهيمنة النازية المطلقة على العالم. في أيام قليلة اجتاحت الجيوش الألمانية البلقان وما حولها، واندفع أكثر من ثلاثة ملايين مقاتل ألماني، بقواتهم المؤللة الحديثة بسرعة في الأراضي السوفياتية. بعد معارك دامية طويلة، بدأت الهزيمة المدمرة للنازية، بفعل المقاومة الصلبة للسوفيات، والجنرال الروسي الأسطورة، الثلج الرهيب، والتحالف الواسع بين الاتحاد السوفياتي وبريطانيا والولايات المتحدة، وانتهى أدولف هتلر منتحراً في حفرة زعامته، وسبقه حليفه الفاشي بينيتو موسوليني معلقاً من ساقيه في ميلانو.

الحرب عندما تُضاف إليها كلمة روسيا، تقفز إليهما موجات الماضي البعيد والقريب. لقد خسر الاتحاد السوفياتي حربه في أفغانستان، وخسرت الولايات المتحدة قبله حربها في فيتنام. الحربان كانتا مواجهة بين قوى دولية، وفي ظروف لها سيولة خاصة. كان الاتحاد السوفياتي يترنح أيام تدخله العسكري في أفغانستان، أما الولايات المتحدة، فكانت في فيتنام تقاتل شعباً يصرُّ على توحيد وطنه مدعوماً بكتلة شيوعية على رأسها الاتحاد السوفياتي والصين الشعبية.

المواجهة الآن بين أوكرانيا المدعومة من الغرب، وروسيا التي عبأت كل إمكاناتها؛ لخوض معركة تراها وجودية لها، تضع السلام العالمي على حافة مواجهة، من الصعب التكهن بحدودها وطبيعتها. المعركة التي تدور رحاها اليوم بين أوكرانيا وروسيا، لها حبوبها المتفجرة، وسيكون طحينها غباراً قاتلاً ومدمراً لا حدود له. روسيا لن تنسحب من الأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها، والدول الغربية التي قدمت كثيراً من المال والسلاح إلى أوكرانيا، وعدّت المعركة معركتها، لن تتساهل مع الإصرار الروسي. هل يمكن القول إنها حرب تقبل القسمة؟ من الصعب الإجابة عن هذا السؤال. روسيا إذا خسرت هذه الحرب، ستخسر كيانها، قد يتفكك كما تفكك الاتحاد السوفياتي وانهار بعد حربه في أفغانستان، وبوتين يفقد كرسيه في الكرملين، كما فقده قبله غورباتشوف. آفاق القادم في هذه الحرب، تغشاها الغيوم، بقدر ما فيها من غبار المدافع. يوم الأحد الماضي، دعا بابا الفاتيكان أوكرانيا إلى رفع العلم الأبيض. ذلك يعني أن يقبل الرئيس زيلينسكي بالأمر الواقع، وأن يتخلى عن المناطق التي احتلتها روسيا من أرض بلاده. هل ما قاله بابا الفاتيكان، كان مجرد دعوة بلغة سلام دينية كنسية، أم وراءها إيحاءات سياسية اختبارية، تحمل مبادرة غربية، تذكّرنا بسياسة «الترضية» التي اختارتها أوروبا مع هتلر قبيل الحرب العالمية الثانية؟ الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، ينتظرها العالم، وكثير من قادته، يحبسون أنفاسم انتظاراً لنتائجها. من أهم أسباب ذلك الاهتمام الكبير بهذه الانتخابات، موقف الرئيس الأميركي القادم من الحرب الروسية على أوكرانيا. الرئيس جو بايدن، عدّ هذه الحرب منذ بدايتها أنها حرب الولايات المتحدة ضد روسيا، بل هي حربه الشخصية ضد الرئيس بوتين، وحشد معه دول حلف الناتو لدعم أوكرانيا، وإذا فاز في انتخابات شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فسوف يضخ مزيداً من السلاح والمال لأوكرانيا، وفي حالة فوز دونالد ترمب، فهناك حزمة ملونة من الاحتمالات.

في روسيا اليوم زعيم، يحمل في رأسه شحنة قوية من الحلم، نحو مجد، وعظمة قومية شوفينية، ويحمل على كتفيه جبلاً من حجارة التاريخ الروسي. يسكنه ثلاثة من عتاة القادة الروس في العهد السوفياتي وما قبله. القائد الحديدي ستالين الذي لا يهادن أو يلين، والجنرال الأسطوري جوكوف الذي وصل بقواته إلى عرين هتلر في برلين، أما الجنرال ثلج، الذي كان سلاح روسيا الطبيعي في كل حروبها، فقد صار اليوم السلاح النووي الذي تحمله الغواصات في بطونها، والصواريخ بعيدة المدى في رؤوسها.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجنرال الروسي الذي لا يغيب الجنرال الروسي الذي لا يغيب



GMT 18:25 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 18:10 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جمعية يافا ومهرجان الزيتون والرسائل العميقة

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:31 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 لبنان اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:17 2014 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يجدد دماء المبادرة العربية

GMT 09:55 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي سعد لمجرد يُروج لأغنيته الجديدة "صفقة"

GMT 08:41 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon