توسيع «التدقيق» يعني لا تدقيق

توسيع «التدقيق»... يعني لا تدقيق

توسيع «التدقيق»... يعني لا تدقيق

 لبنان اليوم -

توسيع «التدقيق» يعني لا تدقيق

طارق ترشيشي
بقلم : طارق ترشيشي

يستمر الاستحقاق الحكومي في الدوران في مرحلة انتظارية تارة تبدو انها قصيرة، وطوراً تبدو طويلة، تِبعاً لعوامل رَبْطها باستحقاقات وأحداث اقليمية ودولية قد يتبيّن لاحقاً انها لن تقدّم او تؤخّر كثيراً في مسار الازمة الداخلية التي يتحكّم بها النزاع بين القوى السياسية على السلطة والتوازنات فيها، وكذلك جبهة الفاسدين العاملة على إبقاء الفساد «سيّداً حراً مستقلاً»..

آخر «ابتكارات» بعض القوى السياسية انها تحبّذ تأخّر، أو تأخير، تأليف الحكومة الى ما بعد تسلّم الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن مقاليد الرئاسة في 20 كانون الثاني المقبل، معتقدة أنّ لبنان يشكل بنداً أول في جدول اعمال الادارة الاميركية الجديدة، لكن كل المؤشرات توحي بعكس ذلك وتَشي بأنّ لبنان سينتظر طويلاً ليأتي دوره في محور الاهتمام الاميركي، في حين انّ بعض القوى السياسية اللبنانية، ولا سيما منها المتورّطة في الفساد والتسبّب بالانهيار المالي والاقتصادي السائد، تتوسّل أيّ عامل خارجي للتغطية على فسادها والتعمية عنه هروباً من يوم الحساب الذي تشعر أنه اقترب، ولذلك توحي دوماً بارتباط لبنان بالاستحقاقات الاميركية، بل وبالعالم كله، إمعاناً منها في الهروب من هذا الحساب.

ولذلك، يقول بعض السياسيين إنّ تأخير تأليف الحكومة العتيدة هو «مِن عدّة شغل» التعمية عن الفساد وتعطيل كل الوسائل والآليات الهادفة الى مكافحته وكشف المستور فيه والعمل على استعادة المال المنهوب، بدليل انّ كل الخطوات التي اتخذت منذ تأليف حكومة الدكتور حسان دياب لم تنفّذ، بل تم تعطيلها بمختلف الوسائل. وأسطَع دليل على ذلك المصير الذي آلَ اليه التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان بـ»فرار» شركة «ألفاريز إند مارسال» من العقد الذي وقّعته مع الدولة، نتيجة تَمنّع مصرف لبنان ومؤسسات أخرى عن تزويدها بما طلبته من معلومات ووثائق لتأدية المهمة المطلوبة منها. وزاد في الطين بلة «توسيع بيكار» هذا التدقيق ليشمل كل الوزارات والادارات العامة والمصالح والبلديات بحيث لا ينتهي هذا التدقيق، إذا بدأ، الّا بعد عشرات السنين... وبعد ان يكون «مَن ضرب ضرب ومَن هرب هرب»، ويعني ان لا تدقيق سيحصل. في حين انّ حسابات مصرف لبنان تشكّل رأس جبل الجليد الذي ينبغي ان يبدأ العمل به ليبدأ الذوبان ويتَكشّف كل «الخمير والفطير» في الازمة المالية والاقتصادية المتفاقمة، ويعرف اللبنانيون اين ذهبت ودائعهم ومَن نهبَ المال العام ومن راكَم اكثر من مئة مليار دولار ديناً عليهم ومَن هرّب المليارات من العملات الصعبة الى الخارج قبل ثورة 17 تشرين الاول 2019 وبعدها وتسبّب بالانهيار الحاصل.

ويضاف الى ذلك، انّ المنظومة السياسية الفاسدة بغالبية مكوناتها، التي لم يرف لها جفن رغم كل الويلات والمآسي التي يعانيها اللبنانيون والتي شكّلت كارثة انفجار مرفأ بيروت الذروة فيها، ما تزال تُمعِن في سياسة الاستحواذ على البلد وكل مقوماته، بدليل النزاع التحاصصي الجاري حالياً والذي يعطّل تأليف الحكومة، مشفوعاً بخروج البعض عن أصول تأليف الحكومات والذهاب الى الاستئثار بسلطة القرار في الحكومة العتيدة، و»الخَلط بين الصالح والطالح» من القوى السياسية في التشكيلة الوزارية الجديدة. والطامة الكبرى انّ الحكومة الجديدة، التي ينبغي ان تضطلع فقط بمهمة إخراج البلاد من الانهيار ودفعها الى الاصلاح وآفاق الحلول الآنية والمرحلية والاستراتيجية، يريد لها البعض ان تكون حكومة الانتخابات النيابية والرئاسية وقبلهما الانتخابات البلدية عام 2022، غير آبه بموضوع إنقاذ البلاد من الهوة المالية والاقتصادية السحيقة التي وقعت فيها، والذي يجب ان يكون أولوية الاولويات الحكومية ولدى الجميع. ذلك انّ حكومة من هذا النوع ستفشل في ان تكون «حكومة مهمة»، بحسب تسمية المبادرة الفرنسية، وإنما حكومة إدارة مصالح القوى السياسية الانتخابية وغير الانتخابية في استحقاقات 2022 الدستورية، هذه القوى المستمرة في سياسة تأبيد وجودها في السلطة مهما آلَ او سيؤول اليه مصير البلاد على كل المستويات راهناً ومستقبلاً.

في حين يرى فريق من السياسيين انّ أولى مهمات الحكومة العتيدة ينبغي ان تكون استعادة ثقة الناس بالدولة وبكل القطاعات العامة والخاصة، فمثل هذه الثقة تشكّل المدماك الاساسي في استعادة الدولة عافيتها والخطوة الاولى نحو نهوض البلاد من كبوتها واستعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان، فمِن دون عودة هذه الثقة لن يقدم اي مواطن على اعادة إيداع ما ادّخَره في بيته في مصرف لبنان او في اي مصرف او مؤسسة مالية، خصوصاً بعد المصير الذي آلت اليه ودائع اللبنانيين في المصارف. ويقول البعض انّ ادّخارات اللبنانيين المنزلية المقدّرة بـ10 مليارات دولار، معطوفة على مليارات مؤتمر «سيدر» واعادة 3 مليارات على الاقل من الاموال التي هُرّبت الى الخارج، بالاضافة الى ما يمكن الحصول عليه من قروض من المؤسسات المالية الدولية، كل هذه اذا حصلت وعادت الثقة، من شأنها ان تشكّل بداية فعّالة لمعالجة الازمة المالية والنقدية التي تعيشها البلاد، إلّا انّ ذلك لن يحصل ما لم تُشَكّل حكومة فاعلة تنفّذ الاصلاحات المطلوبة داخلياً ودولياً، وتستعيد المال المنهوب وتكافح الفساد والمفسدين.

على انّ الوصول الى حكومة من هذا النوع، يقول هؤلاء السياسيون، يفرض على القوى السياسية التي تورّطت في الفساد وتسببت بالانهيار ان تدرك انّ اللبنانيين باتوا لا يريدونها ولا يثقون بها، وانها باتت مُدانة أمامهم بكل المصائب التي يكابدون... وانّ يوم الحساب بين الجانبين سيكون في الانتخابات النيابية المقبلة، فالطلاق الحاصل بين الجانبين بات نهائياً ولن يكون رجعيّاً بعد اليوم.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

توسيع «التدقيق» يعني لا تدقيق توسيع «التدقيق» يعني لا تدقيق



GMT 18:25 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 18:10 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جمعية يافا ومهرجان الزيتون والرسائل العميقة

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:31 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon