بقلم : طارق ترشيشي
رغم كل المساعي والوساطات في الداخل والخارج يتكوّن لدى كثيرين من المهتمّين والمتابعين، وحتى لدى عامّة اللبنانيين، اقتناع أنّ أحداً غير مهتم، سواء تألفت الحكومة او لم تتألف، وسواء ازداد البلد خراباً وانهياراً ام لا، فيما تبدو حركة المعنيين بالاستحقاق الحكومي غير مبشّرة بولادة حكومية قريبة نتيجة تنافس البعض الحاد على الحصص والحقائب الوزارية وانتظار الخارج الذي يدير ظهره لكل ما يجري في لبنان، مُنشغلاً بشؤونه، وبما يراه أهم من هموم هذا الوطن الصغير.
يقول سياسيون، بعضهم قريب من الرئيس المكلف سعد الحريري، انّ المشكلة تكمن في موقف رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي «يُدَلّعه» حزب الله «حتى على حساب رئيس مجلس النواب نبيه بري»، بحسب هؤلاء السياسيين الذين يبرّرون لـ»حزب الله» موقفه «الداعم» لباسيل انّ الحزب «محاصر، وهو في هذه الحال لن يتخلى عن شريكه المسيحي، ولذلك يدلّعه».
ويذهب هؤلاء السياسيون الى القول انه «اذا لم تشكل حكومة هذه المرة فإنّ «اتفاق الطائف» سيزول، لأنّ مصيره بات مرهوناً بتأليف هذه الحكومة وهو في الوقت نفسه يشكّل آخر فرصة للمسيحيين «لوقف التعداد» السكاني الطائفي. ويَدلّ الى ذلك دخول دولة الفاتيكان على خط التأليف الحكومي بهدف استعجاله، ولذلك كان تحرّك البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في هذا الاتجاه من خلال وساطته التي كان قد بدأها قبل الاعياد واستأنفها بعدها».
ويضيف السياسيون «انّ الحريري اذا لم يؤلف الحكومة فإنّ الحل لن يكون إعادة الاستشارات والتكليف، وإنما أن يضغط «حزب الله» على باسيل الذي ما كان ليتمسّك بأن يكون له «الثلث المعطّل» في الحكومة العتيدة لو لم يقتنع انه بات في ضوء العقوبات عليه والحملات الداخلية ضده كأنه «مقطوع من شجرة» ويشعر بحصار جَعله يعتقد انّ استحواذه على هذا الثلث يُخرجه من «الضيق السياسي» الذي هو فيه.
ويقرأ هؤلاء السياسيون المصالحة القطرية ـ السعودية والخليجية عموماً، التي حصلت في قمة دول مجلس التعاون الخليجي الاخيرة، على انها مصالحة إسلامية سنية ـ سنية، ما يؤسّس لاصطفاف إسلامي سنّي قد لا يكون في مصلحة ايران وحلفائها، وهو اصطفاف لا يمكن أن يزول في يوم او يومين. وإنّ رهانَ البعض على الخلاف القطري - السعودي والقطري ـ الخليجي عموماً لم يعد في محله او ذي نفع لأصحابه. ولذلك، بدأ ينتاب الحريري شعوراً بأنه «بات في وضع قوي وليس أسيراً لدى اي جهة سياسية في الداخل» كما يعتقد البعض، وانّ على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان يأخذ هذه التطورات في الاعتبار عند البحث معه في الملف الحكومي، وأنه بات على «حزب الله» ايضاً أن يختار بين الحريري وباسيل، إذ لا «فيتو» سعودياً ولا أميركياً على الحريري الذي لن يكون في وارد التنازل لجبران»، على حد تعبير هؤلاء السياسيين.
لكنّ المطلعين على موقف الحزب يؤكدون إصراره على الحريري لتأليف حكومته في أسرع وقت، وفق المعايير الدستورية والطبيعية، من دون انتظار اي عوامل خارجية، ومن دون امتلاك اي فريق بعينه، سواء كان «التيار الوطني الحر» او غيره، الثلث الوزاري المعطّل، بحيث تكون حكومة فاعلة ومتعاونة تحقّق الانقاذ المنشود.
لكنّ السياسيين إيّاهم القريبين من الحريري يقولون «انّ الحزب بعد 10 سنوات، كان يمتلك فيها الاكثرية والسلاح والتلويح بالمؤتمر التأسيسي، سيخسر كثيراً في حال انتهى «اتفاق الطائف». وفي حال أصرّ على التمسّك بباسيل ودعم موقفه، فإنّ البلد سيمضي الى مزيد من الانهيار. واذا انعقد مؤتمر تأسيسي فسيكون موضوع السلاح البند الاول على طاولته، خصوصاً انّ هذا السلاح ما زال مَسكوتاً عنه حتى الآن لدى معارضيه».
ولكن في ضوء هذه المعطيات، يعتقد السياسيون إيّاهم انّ «حزب الله» «يدرك جيداً ما تتّجِه اليه الاوضاع، وسيكون امام خيار التعاطي بلهجة اكثر ايجابية مع ملف التأليف الحكومي تُخفي في مَطاويها ضغطاً غير مباشر على باسيل للقبول بطروحات الحريري، فليس صحيحاً انّ هناك «فيتو» سعودياً ولا أميركياً على الحريري، الذي ما كان في ما مضى ولن يكون الآن في وارد تقديم أي تنازلات لباسيل»، على حد قول هؤلاء، مُضيفين «انّ العالم الغربي، وفي ضوء تطبيع بعض الدول العربية علاقتها مع اسرائيل، ينفتح بقوة على العالم الاسلامي السني. ويُلاحَظ في هذا السياق انّ قداسة البابا فرنسيس بدأ يُوازِن في زياراته الخارجية، بحيث انه سيزور دولاً إسلامية من مصر الى دولة الامارات العربية المتحدة والنجف في العراق، وكذلك سيزور لبنان، علماً أنّ هذه الزيارات تهدف، فضلاً عن تعزيز العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، الى دعم الوجود المسيحي في الشرق في ضوء شعور المسيحيين المَشرقيين بانعدام اهتمام الدول الغربية بمصيرهم بعد كل ما تعرّضوا له خلال السنوات العشر الاخيرة من قتل وتهجير وتنكيل على يد التنظيمات المتطرفة والارهابية.