بقلم - إميل أمين
نهار السبت الفائت أعلن محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية في المملكة العربية السعودية أحمد بن عبد العزيز العوهلي، عن أن المملكة تخطط لاستثمار أكثر من 20 مليار دولار في صناعاتها العسكرية خلال العقد القادم، في إطار خطة طموحة لتعزيز الإنفاق العسكري المحلي بدلاً من الاستيراد.
الإعلان المتقدم لا بد أن يقرأ ضمن الإطار الواسع لما أعلنته المملكة في 2016 بشأن خطة التحول الاقتصادي المعروفة باسم رؤية 2030، التي يرعاها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتهدف إلى الابتعاد عن الاعتماد على النفط وعوائده الريعية، وتنويع مصادر الدخل، من خلال آليات اقتصادية متعددة، صناعية، وسياحية، وخدمية.
على أن حديث الاستثمارات السعودية خلال العقد الذي ينتهي في 2030 يحتاج إلى وقفة خاصة لفهم أبعاده ومضامينه الاستراتيجية، لا سيما في ظل تخصيص المملكة لـ10 مليارات دولار للإنفاق على الصناعات العسكرية، و10 مليارات أخرى من أجل البحث والتطوير.
تدرك المملكة اليوم أن البحث العلمي هو مفتاح الأمم للتقدم على الأصعدة كافة، ولهذا نراها تزيد الإنفاق على الأبحاث العسكرية والتطوير من 2 في المائة إلى 4 في المائة خلال السنوات العشر القادمة.
ولعل علامة التساؤل التي يمكن أن تواجه القارئ: «لأي هدف تمضي المملكة في هذا الإطار؟».
باختصار غير مخل يمكن القطع بأن المملكة لم تكن يوماً داعية للحروب، بل داعمة للسلام إقليمياً ودولياً، غير أن التعبير التقليدي المعروف يؤكد أنه إنْ أردت السلم، فاستعد للحرب، والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، ولهذا فإن دول العالم تسعى لتأمين مواطنيها ومقيميها وترابها الوطني من خلال قوة مسلحة تردع من يفكر بالمساس بأمنها أو أمانها، ولنا في الأقطاب الدولية الكبرى مثال.
يأخذنا تحليل حديث المملكة عن الاستثمار في الصناعات العسكرية في طريقين: الأول يخص السيادة الوطنية والقرار المنزه عن أي ضغوطات، والثاني عن المنافع الاقتصادية الخلاقة من وراء مثل هذا التوجه... ماذا عن ذلك؟
بداية يبقى التفكير في توطين الصناعات العسكرية أمراً محبوباً ومرغوباً في حد ذاته؛ ذلك لأنه يتيح فسحات واسعة وشاسعة من حرية القرار الوطني، وبحيث لا تخضع المملكة عند أي لحظة بعينها لضغوطات المنع، أو وقف تصدير الأسلحة، لا سيما أنه من عادة بعض القوى الكبرى اعتبار فكرة السماح بتصدير أسلحة أو إلغائها، حقاً فوقياً، وأداة من أدوات السيطرة وإملاء الشروط سياسياً واقتصادياً، وربما يصل الأمر حد الحرمان التام كنوع من أنواع العقوبات.
هنا يبدو قرار توطين الصناعات العسكرية السعودية، وبخاصة الدفاعية منها، نوعاً من أنواع طرح القضايا المصيرية، ذاك الذي يبدأ من الذات السعودية الواعية والفاعلة، ومن غير رهانات غير صائبة على الآخر، حتى وإن ظلت الدبلوماسية السعودية حريصة كل الحرص على ضبط المسافات من الرياض إلى بقية العوالم والعواصم شرقاً وغرباً.
الأمر الآخر في قضية توطين هذا النوع من الاقتصاد الحقيقي لا الريعي، هو مردوداته العالية والإيجابية على الاقتصاد السعودي، خلال العقد القادم.
تقودنا البيانات الأولية إلى أن قطاع الصناعات العسكرية سوف يسهم في الناتج المحلي الإجمالي بما قيمته 4.5 مليار دولار عام 2030، ومعنى ذلك أنه سيكون مصدراً لإثراء الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى توفير العديد من الفرص الوظيفية في القطاع التي تقدر بنحو 100 ألف فرصة وظيفية مباشرة وغير مباشرة.
ولعله من المؤكد أن رؤية التوطين هذه لم يكن لها أن تقوم من غير مسارات ومساقات الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي وضعتها رؤية 2030 في القلب من نظرتها المحدثة للمملكة في قادم الأيام، الأمر الذي انعكس إيجاباً على نظرة المستثمرين العالميين للمملكة كأرض فرص استثمارية واعدة، ومن هنا يفهم القارئ ما قامت به الهيئة العامة للصناعات العسكرية في أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي من ترخيص لنحو 70 شركة محلية ودولية لمزاولة عدة أنشطة، بعضها في مجالات التصنيع العسكري، وتقديم الخدمات العسكرية، وكذلك توريد المنتجات.
هل يضفي توطين الصناعات العسكرية في المملكة بعداً زاخراً على الإقليم برمته؟
ذلك كذلك قولاً وفعلاً، والبداية من عند تعزيز دور المملكة في إطار دول مجلس التعاون الخليجي، كشقيقة كبرى، وكمحرك سياسي وأخلاقي وعسكري فاعل، ومن غير أدنى شك، فإن النجاحات السعودية في هذا السياق، سوف ترتد بالإيجاب على بقية دول الشرق الأوسط، وتفتح أبواب التعاون الإيجابي والاستشرافي، ما يعني الاقتراب من تحقيق حلم الشراكة الأنفع والأرفع لجميع الدول العربية بنوع خاص.
أفكار التوطين العسكرية، تتيح لأصحابها البحث من غير حدود أو قيود أو سدود عن آليات الدفاع الجديدة، وبخاصة في ظل تنامي الأدوار غير التقليدية للأسلحة في الحروب كالطائرات المسيرة والحروب السيبرانية وغيرهما.
تمضي المملكة يوماً تلو الآخر في طريق تحقيق قفزات تنموية وتقدمية عملاقة على أسس مستدامة والتوطين العسكري في القلب منها.