روسيا والسعودية شراكة ماضوية وآفاق مستقبلية

روسيا والسعودية... شراكة ماضوية وآفاق مستقبلية

روسيا والسعودية... شراكة ماضوية وآفاق مستقبلية

 لبنان اليوم -

روسيا والسعودية شراكة ماضوية وآفاق مستقبلية

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

«لا شيء يمكنه أن يعيق تطوير العلاقات بين روسيا والسعودية»، بهذه الكلمات استهل القيصر فلاديمير بوتين زيارته للمملكة العربية السعودية، حيث بدت النية الروسية واضحة لتعميق شكل وأبعاد علاقة ماضوية، ذات آفاق مستقبلية، رغم الأهواء والأنواء المتلاطمة في بحر النوازل من حول الجميع في حاضرات أيامنا.

وصف المراقبون الزيارة بأنها خاصة ومهمة، والحقيقة أنها أكثر من ذلك، سيما في ضوء الظروف الحساسة التي تمر بها المنطقة، والوضع الروسي على الصعيدين الإقليمي والعالمي، ما بين أزمة أوكرانيا، والصراع مع «الناتو»؛ ما يعني أنها خطوة تمثل ما هو أكثر من زيارة، بل وتتجاوز مجرد مناقشة علاقات ثنائية ومشتركة.

ولعل لغة الجسد بين الرئيس بوتين وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تظهر تناغماً واضحاً ينطلق من قناعات عقلانية بأن العالم مودات وشراكة أحلام، بأكثر من كونه براغماتية مجردة، أو نرجسية غير مستنيرة.

تبدو هذه الزيارة بنوع خاص عصية على التحليل، غير أن الثوابت ما بين الرياض وموسكو لا تتغير، سيما في ظل السنوات السبع الأخيرة التي اعتبرها الرئيس الروسي مليئة بالزخم، ووصلت فيها العلاقات إلى مستوى لم يسبق له مثيل، بفضل حكمة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز، وحنكة ومهارة الأمير محمد بن سلمان ومشاركته المباشرة في صياغة المستقبل المشترك.

تثبت الزيارة أول الأمر أن روسيا لا تزال دولة قوية، ومن غير تهوين أو تهويل، فبعد نحو عامين من الصراع مع الغرب بوكالة أوكرانيا، يكاد يكون سيد الكرملين منتصراً، في حين تتراجع حظوظ زيلينسكي إلى حد القول بإمكانية انسحابه عما قريب من المشهد الرسمي.

ينظر بوتين إلى المملكة العربية السعودية كصديق وحليف موثوق، لديه أكبر قدر من المصداقية في التعامل، والوفاء تجاه حلفائه، ومن غير خذلان لصديق أو رفيق.

في حين تنظر السعودية بدورها لروسيا، رغم كل محاولات دفعها بعيداً عن مدارات الحضور القطبي، كدولة كبرى وعظمى قادرة على رسم السياسات الدولية، وليس مشاركة الآخرين فقط في بلورتها، وقد أجبرت رؤاها التقدمية ونجاحاتها العسكرية وأسلحتها الحديثة بنوع خاص، الكثير من القوى الدولية وفي المقدمة منها الولايات المتحدة، على تغيير خططها وفقاً لتوجهات روسيا وتطلعاتها حول العالم.

ومن على الجانب الآخر، ترى روسيا في السعودية قدرة قادرة، استطاعت أن تجعل من العاصمة السعودية، حاضنة جاذبة للدبلوماسية العالمية، عبر صحوة نهضوية سياسية دولية، نهضة ترى أن سياسات الأحلاف المؤدلجة قد فات أوانها وانتهى زمانها، وأن العالم مدعو إلى الدخول في سياق المعرفة والتعاون الخلاق في زمن الحوسبة الكمومية، والذكاء الاصطناعي، والرقائق الاصطناعية؛ ما يعني أن التحديات باتت أقوى من مقابلة أي دول لها منفردة.

عطفاً على ذلك، يقرّ كبار المفكرين والمنظّرين الروس المحدثين، لا سيما بين جماعة السيلوفيكي من حول الرئيس بوتين، بالدور الرائد الذي لعبته وتلعبه السعودية على صعيد السياسات الطاقوية العالمية، وكيف يشكل القرار السعودي ضمانة لاستقرار منظمة «أوبك» وأسواق النفط العالمية.

لبوتين مصلحة فائقة في عالم الطاقة؛ ذلك أنه إن كان قد قدر له مواجهة العقوبات كافة التي فُرضت عليه حتى الساعة من الغرب، فإن جل ما يخشاه هو تهاوي أسعار النفط، وهو أمر يمثل مخاوف عميقة لدولته على أبواب الشتاء، ومن هنا يأتي التنسيق مع المملكة.

يصف ريتش أوتزن، كبير خبراء المجلس الأطلسي، استقبال السعودية لبوتين، بأنه إشارة لكون روسيا غير معزولة دبلوماسياً، حتى بين أصدقاء الولايات المتحدة.

تحمل الزيارة في واقع الأمر رسائل متنوعة، للكثير من الدول، الأصدقاء والأعداء على حد سواء، ومنها على سبيل المثال أن شيئاً ما تحرك في الذهنية العربية، التي لم تعد أسيرة تحالفات بعينها، لا سيما في ظل عمق الألم الحادث في غزة بنوع خاص.

الرسالة الأولى مفادها أن الدول العربية باتت قادرة على التفكير بعزم والعمل بحزم خارج مسارات الخطوط السياسية التاريخية، حيث كان الغرب بنوع خاص هو المهيمن على مقدرات المنطقة، بينما الآن تبدو قادرة على تدبير حلول لقضاياها عبر محاور أستراتيجية مغايرة.

على سبيل المثال، كان توجه اللجنة الإسلامية - العربية الخاصة بمتابعة حرب غزة، أول أمرها، لجهة روسيا والصين؛ ما يفيد بأن المجتمع الدولي يتسع لأكثر من قوة، ولم يعد أميركياً أو أوروبياً فحسب.

في الوقت عينه، وضمن الأهداف الذكية التي يحققها بوتين من هذه الزيارة، التأكيد على نجاعة سياساته الخارجية؛ ما يعزز موقعه في الداخل الروسي، فمثل تلك الزيارة دليل كاف على أن هناك أصدقاء لروسيا يؤتمن جانبهم، وأن الشرق الأوسط والخليج العربي على نحو خاص، في تفاعل وتناغم كبيرين مع روسيا، والتي تنظر باهتمام شديد إلى مجريات الأحداث المتسارعة هناك.

هل من أهداف اقتصادية أخرى يتطلع إليها الروس عبر جسور الصداقة والتعاون الخلاق مع الرياض، والتي لا تعرف دبلوماسيتها الفوقية الإمبريالية، ولا المحاصصات الطائفية أو العرقية، بل تفضل في الحال والاستقبال معادلة «الجميع فائز»؟

مؤكد أن الروس يتابعون الصحوة الاقتصادية الكبرى التي تلف شمل المملكة؛ ولهذا يأمل صندوق الاستثمار المباشر الروسي في جذب استثمارات بقيمة تريليون روبل (10.8 مليار دولار) من السعودية في العامين المقبلين، وفقاً لرئيس الصندوق الروسي كيريل ديمترييف.

زيارة بوتين للسعودية تأكيد على الحضور الفاعل للمملكة على صعيد بلورة أممية مغايرة، تؤمن بالانفتاح والتعددية، من خلال شبكة علاقات لتبادل المنافع الاقتصادية والعلمية بجانب الخبرات الدفاعية والأمنية، وهي الرؤية الشاملة التي توقف عندها الأمير محمد بن سلمان، خلال حديثه ضمن فعاليات استقبال بوتين في زيارته كضيف شديد الخصوصية.

يحتاج الشرق الأوسط والخليج العربي، إلى المزيد من العمل الدولي لإزالة الكثير من الاحتقانات، والخروج من شرنقة أزمات طالت، وهذا لا يتحقق إلا من خلال العمل الدولي الجمعي بنوايا صادقة وطوايا صالحة.

 

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روسيا والسعودية شراكة ماضوية وآفاق مستقبلية روسيا والسعودية شراكة ماضوية وآفاق مستقبلية



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 18:25 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 18:10 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جمعية يافا ومهرجان الزيتون والرسائل العميقة

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان - لبنان اليوم

GMT 07:53 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 لبنان اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 06:42 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

وفاء عامر تكشف أسباب اعتذارها عن مسلسل "سيد الناس"
 لبنان اليوم - وفاء عامر تكشف أسباب اعتذارها عن مسلسل "سيد الناس"

GMT 08:52 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 لبنان اليوم - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 18:43 2021 الثلاثاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

فوز سيدات لبنان على سوريا في بطولة غرب آسيا لكرة السلة

GMT 22:09 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 سيارات دفع رباعي حديثة ومريحة على الطرق الوعرة

GMT 07:24 2023 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

وفاة المنتجة الفنية ناهد فريد شوقي عن عمر يُناهز 73 عامًا

GMT 17:19 2015 الجمعة ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هاميلتون يؤكد أنّ شوماخر بطل سباقات السيارات على مر العصور

GMT 14:35 2014 الخميس ,04 أيلول / سبتمبر

شريط فيديو جديد لدبلوماسي سعودي مختطف في اليمن

GMT 08:17 2022 الإثنين ,30 أيار / مايو

السعودية وأميركا... قوة المنطق

GMT 18:23 2021 الأربعاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

قرداحي يعدد ما تعلمه من أزمته الأخيرة ويؤكد شعوره بالظلم

GMT 16:10 2021 الثلاثاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

إسلام سليماني يدعم محمد صلاح في سباق الكرة الذهبية

GMT 17:15 2021 الخميس ,30 كانون الأول / ديسمبر

أزياء حددت موضة 2021 يمكن الاحتفاظ بها في العام الجديد

GMT 03:47 2015 الإثنين ,02 آذار/ مارس

سلطة الأسكالوب

GMT 07:37 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

لو كنت من القيادة الفلسطينية

GMT 18:53 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة البريطانية تخلي مطار برمنغهام بسبب سيارة مشبوهة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon