الشرق الأوسط والسلام الضائع
أخر الأخبار

الشرق الأوسط والسلام الضائع

الشرق الأوسط والسلام الضائع

 لبنان اليوم -

الشرق الأوسط والسلام الضائع

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

هل بات السلامُ في الشرق الأوسط وإيجاد حلّ عادل للقضية الفلسطينية أثرًا بعد عين؟

المُؤكَّد أنّ الذين تعي ذاكرتُهم خطبةَ باراك أوباما العصماء في جامعة القاهرة في يونيو 2009، يتذكّرون جيّدًا كيف أنّ الآمال الواسعة الكبيرة في التوصّل لحل للقضيّة الفلسطينيّة قد سيطرت على الحاضرين، وخُيِّل للبعض منهم أنّ الحلَّ الأميركيّ على مرمى البصر، وأنّ واشنطن سوف تقوم في ظلّ هذا الرئيس الذي "تجَرَّأ على الأمل" بدورٍ عادلٍ وشفّاف ونزيه في دفع المفاوضات قُدُمًا تجاه حلِّ الدولتَيْن، وممارسة نوع من أنواع الضغوطات الأدبيّة، وربّما المادّيّة على الحكومات الإسرائيليّة، لا سيّما حكومة بنيامين نتنياهو في ذلك الوقت، من أجل القبول بمبادئ القانون الدولي، ومقرَّرات الأمم المتحدة.

ذهب أوباما أدراج الرياح، بعدما تسَبَّبَ في واحدة من أسوأ الحقب التاريخيَّة في تاريخ الشرق الأوسط حيث وقف قطعًا وراء ما عُرِف بزمن الربيع العربي، وإن لم يكن في حقيقته سوى شتاء أصولي مغشوش، ثم جاء بعده دونالد ترامب، الذي في عهده تمَّ نقل السفارة الأميركيّة من تلّ أبيب إلى القدس في تَحَدٍّ سافرٍ لمشاعر العالمَيْن العربيّ والإسلاميّ، وتفَرَّغ الرجلُ لملفات أخرى لم يكنْ من بينها ملفّ الدولة الفلسطينيّة المستقلّة.

يطول الحديث عن المواقف التي اتَّخَذها رؤساء الولايات المتحدة الأميركيّة والمحابية لإسرائيل والمجافية للعرب حتى قبل ولادة الدولة العبرية رسميًّا، بدءا بويلسون ثم ترومان وأيزنهاور، ولاحقًا كيندي وجونسون ونيكسون ثم فورد وكارتر، وصولاً إلى كلينتون وبوش وأوباما، وانتهاءً بالرئيس بايدن الذي لم يُوارِ أو يُدارِ ميولَه للدولة العبريّة، وقد صرح الرجل في بداية أزمة غزّة هذه المرة بالقول: "ليس شرطًا أن يكون المرءُ يهوديًّا كي يكون صهيونيًّا". وأضاف: "إن والدي عَلَّمني أنّ إسرائيل حاجة مُلِحّة، وربّما كان علينا إيجادها إن لم توجدْ بالفعل".

يمكن القطع بأنّ قضيّةً ما لم تحتلّ مكانةً أو زمانًا طويلاً مثلما فعلت القضيّةُ الفلسطينيّة، وذلك في العالمَيْن العربيّ والإسلاميّ على حدٍّ سواء، فمنذ ثلاثينات القرن العشرين وحتى الساعة، أضحت هي قضيّة العرب المركزيّة، ولا تزال.

على أنّه قبل التساؤل الى أين تمضي القضيّة الفلسطينيّة، ينبغي علينا أن نشير إلى أنّ هناك بُعدًا مثيرًا في عمق أعماق تلك الإشكاليّة، ما يجعلها مختلفة كل الاختلاف عمّا شابه من قضايا الصراعات على الأراضي المحتلّة حول الكرة الأرضيّة.

إشكاليّة القضية الفلسطينيّة هي أنّها متّصلة بأراضٍ مقدّسة من قِبَل أَزْيَد من مؤمِني نصف العالم، من الإبراهيمِيّين المُوحِّدين يهودًا ومسيحِيّين ومسلمين، وكلٌّ منهم لديه مُقدَّساته في تلك الأرض، والمقدسات مطلقات لا تقبل القسمة ولا التفاوض، ولا يمكن التوصّل إلى حلولٍ وَسَط بشأنها، فلا أحد يقبل قسمة الغرماء، ومن يعاني من الضعف اليوم، فسيظلّ في الانتظار إلى أن تقوى شَوْكتُه ذات يوم، ليذيق الطرف الآخر سوء العذاب، لتتبَدَّلَ الأدوار، وهذا ما رأيناه في تلك البقعة منذ ألفَيْ عام وحتّى الساعة.

ضمن العقبات التي تواجه القضيّة الفلسطينيّة مشهدان، الدوليّ عامّةً والأميركيّ خاصّةً.. ماذا عن هذَيْن الموقفَيْن؟

الشاهد أنّه فيما يخصّ المشهد الدوليّ، فإنّه مرتبك كثير الارتباك، وربّما منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية لم تعرف البسيطةُ حالةَ قلقٍ مركَّب وليس بسيطًا كما هو الحال الآن، فلم تعُدْ هناك ثنائيّة دوليّة أحد أطرافها يُعَدُّ ضامنًا للفلسطينِيّين أو راعيًا لهم بدرجة تسمح لهم بالوقوف في وجه الولايات المُتّحدة الأميركيّة ومُخطّطاتها بالنسبة لهم.

العالم الآن رقعة شطرنج، الكلّ يستخدم فيها البيادقَ المختلفة من أجل تحقيق أكبر قدر من المكاسب الذاتيّة، وتطويعها لخدمة أغراضه الخاصّة، لا من أجل صالح القضيّة الفلسطينيّة.

أمّا بالنسبة إلى الموقف الأميركيّ فإنّه يُعَدّ في حدّ ذاته عَقَبة بالفعل، فقد أعطى مَن لا يملك مَن لا يستحِقّ مرةً أخرى، والحديث هنا يبدأ مؤخّرًا من عند الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب، الذي اعتبر أنّ القدس مدينة إسرائيليّة مُوحَّدة، واتَّخَذَ قرار نقل السفارة الأميركيّة إليها، مخالِفًا بذلك كافة الأعراف والقرارات الدوليّة التي تنظر إلى القدس بوصفها أرضًا مُحتلّة، ولا يجوز التصَرّف فيها، بل على المحتلّ المحافظة على وحدتها الجغرافيّة، وعدم تغيير أيّ طابع فيها وتحديدًا الطابع الديموغرافيّ، وصولاً إلى الرئيس بايدن الذي لا يرى أنّ الوقتَ ملائمٌ بعدُ لوقف إطلاق النار في غزة، ويسعى جاهدًا لتمكين إسرائيل بشكل أو بآخر لو على جثث المزيد من المدنِيّين الفلسطينِيّين الأبرياء.

ماذا عن الجانب الإسرائيليّ؟ حكمًا يكاد الناظرُ لمشهد حكومة نتنياهو أن يقطع بأنّ السلام يكاد يكون أثرًا بعد عينٍ قولاً وفعلاً؛ فالرجل يتحدث عن عودةٍ إلى قطاع غزة أمنيًّا، وروح الانتقام تملأ عقله وقلبه، ما يعني أنّ مساحة الحديث عن السلام غير حاضرة على الأقل في الوقت الحاضر.

في الوقت عينه، ومن أسفٍ شديد، يتقَلَّص معسكر أنصار السلام على الجانبَيْن الإسرائيلي والفلسطيني، وليس سرًّا القول إنّ المواجهات الأخيرة في غَزّة أفقدت الكثيرين في العالم العربيّ والذين أملوا في أن تحمل الأيّامُ القادمة لهم المزيدَ من المصالحات والتفاهمات، وأزمنة السلام، أفقدتهم بعضًا من إيمانهم بالسلام المحتمَل.

وفي كل الأحوال نتساءل: هل يعني ذلك أن الحربَ قَدَرٌ مقدور وأنّ الكراهيةَ وعدٌ منظور؟

تاريخيًّا، تعَلَّمت الإنسانيّة أن الحروب لم تحلّ أزمةً أو تنْهِ صراعًا، بل إنّه في نهاية كل حرب ضروس كان لا بدّ من الجلوس على مائدة المفاوضات بحثًا عن حلولٍ سلمية.

هل هناك آذان سامعة على صعيد المجتمع الدوليّ، وفي الداخل الأميركيّ بنوع خاصّ، تستنقذ المشهد الشرق أوسطيّ، وتُعلِي من رايات الحياة عِوَضًا عن علامات الموت الصارخة صباحَ مساءَ كلّ يوم؟

المؤكد أن أثمان اتساع رقعة النيران في القلوب والعقول مُكلِّفة جدًّا في الحال والاستقبال، وأنّه كُلَّما سالت الدماءُ تعَذَّرت المصالحة. وعلى هذا الأساس ربّما يحتاج المتصارعون في الأرض المُقدَّسة إلى استلهام روح التعايش الذي كان في أزمنة سابقة، مع التأكيد على أنّه من غير عدالة فلن يكون هناك سلامٌ، فانظرْ ماذا ترى.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشرق الأوسط والسلام الضائع الشرق الأوسط والسلام الضائع



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

إطلالات محتشمة بلمسات الريش وألوان ربيعية تزين إطلالات النجمات

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:47 2022 الأحد ,03 تموز / يوليو

أفكار لارتداء إكسسوارات السلاسل

GMT 20:32 2022 الثلاثاء ,10 أيار / مايو

أفكار لتنسيق إطلالاتك اليومية

GMT 22:11 2022 الثلاثاء ,05 تموز / يوليو

أفضل الأحذية المثالية للحفلات

GMT 10:06 2022 الثلاثاء ,12 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار الأحذية النود المناسبة

GMT 20:39 2023 الثلاثاء ,02 أيار / مايو

أبرز اتجاهات الموضة في حقائب اليد هذا الصيف

GMT 17:22 2021 الجمعة ,23 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 17:19 2021 الجمعة ,23 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 20:40 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

اتيكيت الأناقة عند النساء

GMT 13:37 2020 الإثنين ,07 أيلول / سبتمبر

تعرفي على طريقة عمل الكريب الحلو بالوصفة الأصلية

GMT 14:10 2022 الإثنين ,04 تموز / يوليو

باريس العربية

GMT 09:39 2019 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

مارثا هونت تكشّف عن جسدها الرائع في فستان أسود

GMT 18:10 2022 الأربعاء ,12 كانون الثاني / يناير

تطوير روبوت يَسبح عبر الأوعية الدموية لتَفتيت الجلطات

GMT 13:19 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

أسعار النفط تقترب من الـ 90 دولاراً للبرميل

GMT 19:03 2022 السبت ,14 أيار / مايو

نصائح لاختيار ملابس العمل المناسبة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon