بقلم: مشعل السديري
قبل (كورونا) دُعيت إلى وليمة معتبرة أقامها أحد الكرماء، وحيث إنني بطبعي لا أرد دعوةً من كريم لأنني لست بلئيم، لهذا كنت من أوائل الحاضرين، وبعد أن اكتمل النِّصاب، والمجلس ممتلئ بالناس، وقف شيخ يريد أن يعبّر عن شعوره لصاحب الدعوة، كأنه إلى جانب ذلك أراد أيضاً أن يستعرض فصاحته بالخطابة، فوقف واستأذن من دون أي مقدمات ليلقي كلمة قبل العشاء، فأذن له، عندها أخرج من جيبه ورقة كان قد كتبها من قبل، وجاء فيها:
الحمد لله مستحق الحمد على التحقيق، الذي وفّق بين الفرج والضيق، وأمر بالحج إلى بيته العتيق، وجعل السمن البقري لعسل النحل رفيق، أحمده حمد مَن عنده من الجوع دسيسة، وأغاثه الله بقصعة من البسيسة. أيها الناس ما لي أراكم عن الزبدة والعسل غافلون، وعن الأرز المفلفل باللحم الضاني تاركون، ومن البقلاوة في الصواني معرضون، وعن الأرز بالسمن والدجاج المحمر لاهون؟ فاغتنموا، رحمكم الله، هذه الموعظة، ودعوا أكل المغلظة، وأشهد أن اللحم الضاني سيد الأطعمة ومصلح للبدن، واعلموا أن القشطة لا تُترك، وأن المهلبية أحسن وأبرك، وقد قيل أن من أطعم ضيفه خبز الشعير فإنه يُحشر مع البغال والحمير، ومن أطعم ضيفه لحم الدجاج فإنه يدخل الجنة بلا علاج، وأوصيكم إذا دُعيتم إلى وليمة فرخرخوا أحزمتكم ودككم واترسوها إلى الحلقوم وزلقوا الماء تزليقاً فمن أكل فلنفسه ومن أُصيب بالتخّمة فعليها وما أنا عليكم بوكيل – انتهى.
فتضاحك الجميع، وكنت أنا الوحيد الذي صفّق له، وقبل أن نتجه إلى المائدة اتجهت إليه وطلبت منه الورقة التي كتب فيها كلمته العصماء تلك، لكي أطرحها أمامكم علّكم تستفيدون مما احتوته من بلاغة وحكم، فأعطاني إياها بوجه متهلل وشكرني على تصفيقي له، فقلت له: هذا أقل شيء أفعله لأعبّر لك به عن شعوري، ولولا خوفي من استهجان الحضور لهتفت لك. ولكن قل لي بالله عليك: هل أنت إمام مسجد؟! فارتبك وقال: لماذا تسألني؟! قلت: لأنه لا يأتي بهذه (الدرر) غير أئمة المساجد الذين فتح الله عليهم. تبسم وهو يقول: نعم، بارك الله فيك، ولكنني في المسجد لا أقول مثل هذا الكلام، وإنما أأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ولله الحمد. ثم تركني وجلس تحديداً أمام إلية الخروف التي تزين الصينية الكبيرة، وأخذ يمحلس ويطبطب عليها ويأكل منها.
فأخرجت من جيبي جوّالي أريد أن ألتقط صورة تذكارية، فنبّهني المضيف قائلاً: لو سمحت ممنوع التصوير.