بقلم: مشعل السديري
يقول (أبو عبد الله) في مذكراته:
في عام 1975 مات الملك فيصل غدراً، ففي أحد الأيام وبينما أنا أتجول على سيارتي الأجرة الساعة 11 نهاراً فإذا بالمذياع ينقل خبر موت الملك فيصل، رحمه الله، وقد فاجأني الخبر كما فاجأ الناس جميعاً، فبدأت أبكي وقد رأيت كثيراً مثلي في الشوارع وقد تأثروا وبان على وجوههم الحزن والأسى، وكنت أسير بغير هدى، فإذا بامرأة سوداء كبيرة في السن تطلب مني أن أحملها، وكان عادتي ألا أحمل النساء، لما ركبت السيارة وسمعت الخبر صاحت ثم تقيأت في سيارتي ثم فقدت الوعي. وقفت وبدأت أرشها بالماء وبعد دقائق أفاقت والحمد لله، ولكن مع ذلك ذهبت بها للمستشفى وأنا أدعو للشهيد الملك فيصل بالرحمة.
ووقع الخبر كالصاعقة على العالم كله، ففي باكستان أحرقوا السفارة الأميركية، ظناً منهم أن لأميركا دوراً في ذلك، وقامت المظاهرات الحاشدة في جميع الدول، ونكّسوا أعلامهم.
فقد كان له دور، رحمه الله، في إقامة اجتماع المسلمين في مؤتمر (التضامن الإسلامي)، حيث قطعت في يوم واحد أكثر من خمس دول أفريقية علاقتها مع إسرائيل، وقد زار معظم دول المسلمين من عام 1964 إلى 1975 بغية تقاربهم، ونشاهده في التلفزيون وقد احتشد آلاف الناس في الشوارع طمعاً في رؤيته أو كتابة اسمه في دفاترهم للذكرى في الدول التي زارها.
ومن مآثر (الفيصل) رحمه الله:
أولاً: إلغاء بيع الأرقاء العبيد، حيث كان هناك أناس جشعون يبيعون إخوانهم في الإنسانية عن طريق القوة والسرقة.
ثانياً: توحيد لوحات سيارات الحكومة من (ملكي) إلى خصوصي.
ثالثاً: احترامه للعلماء والأقرباء حيث شاهدته وقد قبل رأس عمه الأمير عبد الله بن عبد الرحمن، رحمه الله، كذلك سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله، قبله وهذا يدل على تواضعه ورفعته للعلم وأهله، وقد أكرمه الله بالصلاة في المسجد الأقصى وهي أمنيته عام 1966.
رابعاً: تزكيته لأهل الدعوة في حي اسكبريته بقوله لما سأله أحد أقربائه إن أولاده يتعبونه في أداء الصلاة، فقال له الملك فيصل كلاماً ما معناه: اذهب لأهل اسكبريته بالرياض وستجد عندهم العلاج. سمعت هذا الخبر من أكثر من رجل من كبار السن لأن لديهم الدعوة للمقصرين بالبشاشة وعدم المواجهة، وقال (أبو عبد الله) هذه الأبيات:
فيصل وباعه الطويل/ لطالما طاف طلباً للجميل
وطار بين السماء والأرضين/ بغية الإصلاح بين المسلمين
فكان كالغيث للعالمين/ بالقوة والفعل بشهادة العارفين