بقلم : يوسف الديني
من مآثر مؤسس المملكة العربية السعودية المغفور له الملك المؤسس عبد العزيز، كلمته الخالدة، التي تصلح أن تكون مفتاحاً كاشفاً لفهم سياسات الحزم التي تعقب الصبر الطويل على الاستهداف والمشاريع التقويضية لأمن المنطقة، يقول المؤسس «إني جعلت سنتي ومبدأي ألا أبدأ أبداً بالعدوان، بل أصبر عليه حتى إذا لم يبقَ للصبر مكان، ضربت ضربتي وكانت القاضية».
الخطوة الأخيرة التي قامت بها السعودية كانت ضرورية ومهمة وحاسمة؛ إذ تجسد سياسات الحزم السعودية، التي هي من ثوابت بيت الحكم السعودي حين تحين اللحظة، وقد جاءت وطال الصبر على تمثلات مشروع ملالي طهران في الوطن العربي والمنطقة، والتي بدت واضحة في سلوك ذراع إيران المدللة في لبنان المختطف، بحسب وصف سياسييه قبل المراقبين؛ والذي تمادى في حالة ابتلاع منطق الدولة في لبنان، والإجهاز على مستقبله واستقراره وعلاقته ومكانته في ظل رعونة التجاذبات السياسية.
والحق يقال، لم تكن التصريحات المسيئة الأخيرة سوى نقع القبح على جدارية جنون وإرهاب الميليشيا مسلوبة الإرادة لإيران المتصاعد في المنطقة، من «حزب الله» إلى ميليشيا الحوثي، في حين أن الدول التي تتعافى من مشروع الاختطاف كالعراق تدرك جيداً أهمية سياسات الحزم التي تمضي بالتزامن مع مشاريع المستقبل والشراكات، متى ما تغير الوضع ومن دون اشتراطات أو مقدمات ومع احترام كامل للسيادة والعلاقات المتبادلة.
مسلسل اختطاف «حزب الله» للحالة اللبنانية هو البوصلة، ومن يفسّر سياسات الحزم السعودية ويحاول شخصنتها أو تقزيمها في مناكفات إعلامية، لا يدرك مفتاح سياسات الحزم ويكرر هذه الادعاءات في كل موقف سعودي أشبه بعلاج الكي للمحموم في الثقافة العربية الأًصيلة.
ما يحدث في لبنان اليوم نتائج لمقدمة واحدة لا يمكن أن تخطئها العين، وهي انتقال هذا البلد المفصلي من منطق الدولة إلى رعونة الميليشيا المسلوبة الإرادة من سنوات من التدخل في ملف المصارف، إلى ترهيب الأقليات إلى محاولة ابتلاع الجيش الوطني، وصولاً إلى لحظة تفجير المرفأ الكاشفة، وما تلاها من تضخم الحزب لمحاولة تدعيم الموقف الإيراني في المفاوضات الدولية، والتي تتأرجح أيضاً بحسب المصالح وأوراق الضغط والانتهازية السياسية، لكن موقف السعودية ومعها دول الاعتدال وعقلاء العالم واضح ومحدد وبسيط وحازم كمبادئها، لا يمكن تغيير أي شيء تفاوضي من دون أن تتخلَّى إيران عن مشروعها التوسعي وتدخلاتها السيادية، وتغير من سلوكها لدعم الإرهاب، النوايا والإشارات لا تكفي من دون تغيير ملموس على الأرض، وهذا لا يمكن أن تغيره تصريحات إيجابية أو سلبية أو تشكيل حكومات أو رحيل وزراء، كما أن المفاوضات الدولية لا يمكن لها أن تعيد للبنان وشعبه الذي كان البيان السعودي واضحاً ومحدداً في استثنائه من ألاعيب اللغة السياسية، والتقدير الكامل له؛ وهو ما ساهم في صعود ردة فعل شعبية ضد الميليشيا وشخصياتها السياسية الانتهازية، التي تحاول اللعب على وتر المظلومية من دون جدوى من الداخل اللبناني، فضلاً عن مواقف الخارج المبنية على الحقائق وليس الادعاءات أو النوايا والشعارات.
لبنان في خطر، نعم، وربما هناك حالة انسداد للملف السياسي لا تعاني منه لبنان، بل كل الدول التي تعيش أزمة مع منطق الدولة وفضيلة الاستقرار؛ وهو ما أدَّى إلى ظهور طبقة جديدة من تجار الأزمات وحالة اللااستقرار، من الذين ترتفع حناجرهم ضد القرارات السيادية لدول الخليج، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، التي تهدف إلى إعادة موضعة مسألة الأمن القومي والإقليمي للمنطقة، فوق اعتبارات الدبلوماسية الناعمة التي ساهمت في وقت مضى إلى تفاقم استغلال الحياد والنأي بالنفس عن الصراعات السياسية الداخلية، مع الاكتفاء بالتدخل الإيجابي والدعم اللامحدود، كما هو الحال مع مواقف السعودية في الأزمة اللبنانية منذ الحرب الأهلية، التي لم يتجاوز هذا البلد المكبّل بنزاعاته مناخها.
ما يفعله «حزب الله» اليوم ليس محاولة ابتلاع السلطة فحسب، بل هو يستهدف حياة اللبنانيين واستقرارهم ومعيشتهم وأمنهم، وهو ما سيعيد تموضعه من طرف ومكون سياسي حتى لو نافس على اقتطاع جزء من السلطة إلى مهدد أمني للداخل اللبناني، والقبض على كل مفاصل الدولة كما هو الحال مع ميليشيا الحوثي، التي تحاول استنساخ تجربة الاستتباع الإيراني للأذرع والميليشيات.
أمنيات «حزب الله» أو الحوثيين حول أن الوقت كفيل بحلحلة الأمور، لا سيما مع الحديث عن تخفيف العقوبات على إيران أو المضي قدماً في المفاوضات، مجرد أوهام إذا لم يتغير سلوك الملالي في المنطقة، والتعامل مع إيران كدولة يجب أن تحترم منطق الدولة، ولا يمكن بحال قبولها كمشروع آيديولوجي للهيمنة وتصدير الثورة ورعاية الإرهاب، والمعارضات المسلحة والأذرع والميليشيات.
خطوة السعودية الكبيرة نحو إيقاف ما تبقى من ابتلاع «حزب الله» للحالة اللبنانية، ليست موقفاً ضد أشخاص أو مجرد رمية نِرد وعزف منفرد يعبر عن ردة فعل، بل هي من أجل إنقاذ لبنان، حيث لم يبقَ للصبر مكان، بحسب الملك المؤسس العظيم!