بقلم:يوسف الديني
في أكثر التعبيرات وضوحاً عن توجه وشفافية رؤية 2030، واستراتيجيات السعودية المتجددة بدعم مباشر من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وتوجيهات عراب الرؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أصدرت وزارة المالية وثيقة استثنائية للميزانية السعودية تحت عنوان «نسخة المواطن»، وهي شديدة الأهمية على أكثر من مستوى تعبيرها ولغتها وواقعيتها، والأهم دلالاتها السياسية في تكريس أكثر العلاقات بين السلطة والمواطنين شفافية ورعاية للصالح العام «التمركز حول المواطن»، ما يعرف بـ«Citizen centralization»، وقد عبرت عنه القيادة السعودية بشكل واضح وصريح، كما جاء في تصدير التقرير، حيث أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أن الميزانية المعلنة جاءت: «تأكيـداً للنتائـج المتحققـة مـن الإصلاحـات الاقتصادية والمالـية الهادفة إلى تعزيز النـمـو الاقتصادي والاستدامة»، وهو ما يختزل ثلاثية الرؤية السعودية التي تحولت إلى أنموذج ملهم للعمل في المؤسسات بالداخل حتى الخاصة منها، ولكثير من المجتمعات في دول المنطقة التي بدأت تلمس تأثير الرؤية الهائل.. هذه الثلاثية تستند إلى ثلاثة أركان تعبر عن مستقبل الرفاه الذي تطمح له المملكة: مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطـن طمـوح.
الشفافية باتت جزءاً أساسياً في لغة التواصل المجتمعي في السعودية، مستلهمة الصراحة والوضوح من تصريحات القيادة السياسية التي أكدت أن دور المواطـن اليـــوم أصبح محورياً فـــي التنمية الاقتصادية، فهو يسـاهم مباشـرة فـي تحقيـق الإنجـازات فـي مختلـف المجـالات والقطاعـات الواعـدة.
الميزانية الجديدة جاءت لتعزيز نمو اقتصادي وحالة تعافٍ رائدة على مستوى إدارة الأزمات وبمستوى يفوق العديد من الدول المتقدمة، فمرحلة ما بعد جائحة «كورونا»، هي مرحلة حصاد لأكثر التجارب نجاحاً على مستوى «المصلحة العليا» وسلامة المواطنين لتضاف إلى فضيلة الاستقرار الذي تنعم به السعودية، حيث سخرت الدولة مواردها المالية إبان تحدي «كورونا» غير المسبوق على الصحـة والتعليـم وتطويـر الخدمـات الأساسـية، بالإضافـة إلى استمرار الدعم والإعانـات الاجتماعية، لكنها أيضاً ساهمت في تأسيس ثقافة جديدة على مستوى الإنفاق والمشاريع قوامها مفهوم مالي بات مهماً اليوم في الدول التي تفكر في المستقبل «الاستدامة المالية» على المدى المتوسط وقد تجلى في مواجهة المتغيرات الطارئة، وامتص الصدمات بشكل سلس ومثير للإعجاب بشهادة العقلاء والمنصفين في العالم.
العنوان العريض للميزانية الجديدة الثقافة التشاركية والتمحور حول المواطن، وانعكس ذلك على التخطيط، إضافة إلى العمل التشاركي بين منظومة المؤسسات والأجهزة الحكومية المدعمة بتقنيات وتطبيقات رقمية، وبحشد من الإمكانات والطاقات التي تسعى إلى تحقيق مستهدفاتها الاستراتيجية.
فيما يخص الرسائل السياسية التي يمكن قراءتها في هذا التقرير، وهي التي عادة لا يسلط عليها الضوء بسبب التركيز على الجوانب الاقتصادية والمالية، هي أولوية الاستثمار في المواطن، والتمركز حول المواطنة باعتبارها رأس المال الأهم للقيادة السياسية ورؤية 2030، لذلك نصت الوثيقة على أن الشفافية والوضوح في الحديث عن الخطة المالية، بما في ذلك التحديات والعوائق، جاء استجابة لالتزام الحكومة المباشر ببناء هذه الثقة المتبادلة، والصراحة فيما يخص الأوضاع المالية والاقتصادية عبر التقارير المرتبطة بالميزانيات.
والحق أن الاستراتيجية الجديدة والشفافية الهائلة، وآخرها طرح نسخة المواطن من الميزانية جزء من تأثيرات رؤية 2030 التي لا ينقطع الحديث عنها في المجالس والمنتديات في السعودية وخارجها، فالرؤية أسست وألهمت لمنهجية جديدة تسعى إلى القطيعة مع غياب دور الفرد - المواطن، الذي كان سمة معطلة في الثقافة العربية وسبباً في تأخر المشروع الحداثي، بعكس السياق الغربي الذي كانت العلاقة فيه طردية بين تطور مفهوم الفرد وقوة الدولة وازدهارها الاقتصادي، نحن بهذا الفهم للفردية أو الفردانية نتحدث عن فرد جديد في الزمن ما بعد الصناعي القائم على المبادرة الفردية، والابتكار الشخصي، وحرية الناس في التعبير والاتصال وشعورهم بذواتهم؛ حيث باتت هذه المسائل تلعب دورها في الاقتصاد أكثر من السابق بعيداً عن الطروحات الشمولية والجمعية التي عادة ما تنتج قطيعاً من «المؤمنين بالآيديولوجيا»، لا بالوطن الذي يستثمر في أبنائه ويتمحور على أحلامهم وتطلعاتهم.
وإذا كان عام 2020 قد شكل نقطة تحول فاصلة واستثنائية بالنسبة للسعودية بكل المقاييس، رغم التحديات التي يعيشها العالم في محاولة التعافي والتأقلم مع تداعيات جائحة «كورونا» التي لا تزال قائمة، فإن العام القادم يشي بالمزيد من الآمال والطموحات لتحسن الأوضاع والتعافي التام من تأثيرات «كورونا»، وهو ما سيساهم في تأكد وصلابة إيمان السعوديين وفخرهم ببلادهم وهم يشاهدون رأي العين ملامح التحول الوطني الكبير سنة تلو أخرى، الأمر الذي يسهم في منحهم مناعة صلبة ضد حملات الاستهداف والتشويه والاستعداء والتنميط، وهي محاولات باءت بالفشل سابقاً، وقدرها أن تضمحل مع ولادة أصوات منصفة وعاقلة حول العالم لا يمكن لها أن تكذّب هذا الصعود السعودي على مستوى صناعة المستقبل والاستثمار في تجديد الدماء وبث روح جديدة في المجتمع وقطاع الأعمال والحوكمة والشفافية ما عبرت عنه «بلومبرغ» في تقريرها الذي كتبت عنه «جرعة المستقبل في أوردة السعوديين».