معالجة لا عقاب أمن الدولة والباب المفتوح

معالجة لا عقاب: أمن الدولة والباب المفتوح

معالجة لا عقاب: أمن الدولة والباب المفتوح

 لبنان اليوم -

معالجة لا عقاب أمن الدولة والباب المفتوح

يوسف الديني
بقلم : يوسف الديني

منذ تأسيسها، تبنّت المملكة العربية السعودية نهجاً فريداً في التعامل مع مواطنيها على كل المستويات، وهي قصة يجب أن تُروى باستفاضة، بدءاً من مرحلة التوحيد على يد الملك عبد العزيز، حيث تم إعلان المملكة كياناً مستقراً وآمناً، وصولاً إلى «رؤية 2030» التي تحمل في جوهرها الفكري الأساسي «المواطن السعودي» والاستثمار فيه ورعاية أمنه وازدهاره.

لكن قصة الأمن في السعودية حكاية مختلفة تستحق التوثيق، باعتبارها تجربةً فريدةً من نوعها في التعامل مع المواطن حتى في أكثر الأزمات تعقيداً. هذه المقاربة تجمع بين الحزم والعدالة المطلقة لمن ثبت تورطه في المساس بالأمن والاستقرار، من دون أي تمييز، وبين المعالجة لمن لم يرتكب جرماً مباشراً، بخاصة من وقعوا ضحية التغرير أو الأفكار المضللة أو الأخطاء الأمنية ذات الطابع الفكري.

في حديثه الأخير، أعاد رئيس أمن الدولة السعودي، الوزير عبد العزيز الهويريني، التأكيد على هذه السياسة الاستثنائية، مشيراً إلى أن باب العودة مفتوح لكل من غُرِّر بهم في الخارج، بشرط عدم تورطهم في جرائم خاصة. شدد الهويريني على أن الدولة «تعالج ولا تعاقب»، ولن تُشهر بهم، بل تسعى لاستيعابهم وإعادة دمجهم في المجتمع، متى ما أبدوا رغبة صادقة في التراجع والعودة إلى المسار الصحيح.

هذه السياسة ليست مجرد رد فعل آني، بل تمتد جذورها إلى عقود طويلة من الحكمة في التعامل مع الأزمات الأمنية، حيث تميزت السعودية بفلسفتها التي تفرق بين المستويات المختلفة للخطأ. فمن ثبت تورطه في جرائم تهدد الأمن القومي يخضع لإجراءات عدلية صارمة، أما من انجرف وراء الأفكار المتطرفة أو تعرض للاستغلال، فيتم التعامل معه وفق نهج قائم على الفهم والمعالجة. وما يميز اللحظة الراهنة أن هذه الاستراتيجية أصبحت أكثر وضوحاً وانسجاماً مع التحولات الكبرى التي تعيشها المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وضمن إطار «رؤية 2030» تحت إشراف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

في الوقت الذي تتخبط فيه دول غربية كبرى في التعامل مع مواطنيها العالقين في مناطق التوتر، مثل مخيم الهول وغيره، حيث تتنصل هذه الدول من مسؤولياتها تجاههم، نجد أن السعودية تتبنى سياسة استباقية، تبذل فيها الغالي والنفيس لضمان عودة أبنائها وإعادة تأهيلهم. هذا النموذج الإنساني لا يقتصر على الأفراد فحسب، بل يشمل أيضاً أسرهم، إذ تدرك الدولة أن أهالي المغرر بهم ضحايا بدورهم، وتتعامل معهم وفق مقاربة إنسانية تعزز من التلاحم المجتمعي.

ما يميز النهج السعودي أنه ليس وليد اللحظة، بل يرتكز على تقاليد عريقة تعكس علاقة الدولة بمواطنيها في مختلف مراحلها. هذه العلاقة مبنية على عقد اجتماعي متماسك، يستند إلى أولوية حماية الاستقرار وحرمة الدم ومنح الفرص لمن جنحوا أو حادوا عن الطريق، والوقوف بحزم ضد كل من يسعى للإضرار بالوطن والمجتمع.

لطالما تعرضت المملكة لحملات إعلامية مغرضة تسعى للتشكيك في سياساتها الأمنية، عبر ادعاءات زائفة تتحدث عن التمييز أو القمع، إلا أن الواقع أثبت كذب هذه الادعاءات. بل إن العديد من الدول التي انتقدت النهج السعودي اضطرت لاحقاً إلى تبني سياسات مشابهة لمقاربتها الأمنية، بعد أن وجدت نفسها غارقةً في أزمات لم تستطع احتواءها.

اليوم، وبعد عقود من النجاح في مكافحة التطرف وترسيخ الأمن، باتت التجربة السعودية نموذجاً عالمياً يُحتذى به، ليس فقط في مجال مكافحة الإرهاب، بل في كيفية بناء مجتمع آمن، متماسك، وقادر على تجاوز الأزمات بحكمة وعدالة وتقديم مصلحة «الوطن» و«المواطن» على كل اعتبار.

العقلانية السعودية المستندة إلى ركائز الحكم الرشيد وحكمة «هل العوجا» صمام الأمان لعالم من الضجيج السياسي والآيديولوجيات الشمولية والشعارات التي لا تلقي بالاً بالمواطن، وهي اليوم باستراتيجيتها الأمنية ضامن لاستقرار الإقليم والمنطقة مثل ما تفعل استراتيجتها في الطاقة لاستقرار أسواقه، واعتدالها الديني والسياسي لحل أزماته.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معالجة لا عقاب أمن الدولة والباب المفتوح معالجة لا عقاب أمن الدولة والباب المفتوح



GMT 14:58 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

عقليّة الغلبة دمّرت لبنان

GMT 14:32 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

محارق

GMT 14:31 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

صورة المسلم بين عائلتين

GMT 14:30 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

حزب البعث اللبناني: أهمية ما ليس مهماً

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

جوع وصقيع وفزع

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

أبواب دمشق

GMT 14:28 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

«كايسيد»... الحوار هو الخيار

GMT 14:26 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والحوار المهيكل

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 06:50 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال نيوزيلندا العنيف يتسبب في تحريك جزر رئيسية

GMT 22:25 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

3مستحضرات فقط تخفي علامات تعب وجهك نهائيا

GMT 18:35 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

5 أسرار لتطبيق المكياج من أجمل نساء بريطانيا

GMT 16:57 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"موريشيوس" ملاذ رومانسي ساحر لقضاء شهر العسل

GMT 13:05 2012 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

إضراب في مطار شرم الشيخ يتسبب في إغلاق جزئي أمام السياح

GMT 04:44 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

لاكوتريبيس يعلن اكتشاف حقل غاز على سواحل قبرص

GMT 18:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت دفع فاتورة حساب المطعم

GMT 10:31 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

نظافة المدرسة من نظافة الطلاب والمدرسين

GMT 07:27 2014 الثلاثاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جائزة لـ«فقه العمران»

GMT 21:14 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

تعرف علي توقعات أحوال الطقس في لبنان الاربعاء

GMT 18:27 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

انفجار في مدينة بنش في ريف إدلب السورية

GMT 00:31 2021 السبت ,13 آذار/ مارس

تخفيض سعر تعرفة فحص الـPCR الى 100 الف ل.ل!
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon