صعود الميليشيات هل تنجح مقاربة الوجبات السريعة

صعود الميليشيات: هل تنجح مقاربة الوجبات السريعة؟

صعود الميليشيات: هل تنجح مقاربة الوجبات السريعة؟

 لبنان اليوم -

صعود الميليشيات هل تنجح مقاربة الوجبات السريعة

يوسف الديني
بقلم - يوسف الديني

ربما كان استهداف ميليشيا «حزب الله النجباء»، وهي الجناح الأكثر جموحاً ومفارقةً للترويض من قبل الدولة، ردة فعل متوقعة باعتبارها أكثر الفصائل مسؤولية عن استهداف المصالح الأميركية في العراق، لكن سؤال الأسئلة اليوم هو ضرورة مراجعة نقدية لآثار وتبعات الضربات الأميركية على طريقة «الوجبات السريعة» في المنطقة، التي رغم أنها تلبي على المدى القصير إعادة موضعة مسألة الردع والقوة الأميركية، إلا أنها لا يمكن أن تحل المشكلة، بل على العكس ستزيد من العبء على الدولة العراقية، كما هو الحال في كل التدخلات ضمن تلك الاستراتيجية التي تعبر عن ردة الفعل، وليس كحل جذري ومستدام لمعضلة الحالة المتضخمة اليوم في المنطقة، وهي صعود الميليشيات وتجاوزها منطق الدولة.

والحق يقال إن معظم جراحات العراق الدموية منذ الاحتلال الأميركي وما بعده مرتبطة بشكل وثيق بحالة الاستعجال والإهمال والارتباك في المقاربة الغربية منذ لحظة سقوط نظام «البعث»، بحاجة إلى مراجعات نقدية ومساءلات طويلة حول المقاربة الغربية، على رأسها الولايات المتحدة، في طرح مفهوم الدولة الشكلانية والتعامل مع مناطق التوتر عبر فرض الأمر الواقع وإطالة أمد الأزمة، ومحاولة الخروج بأقل قدر من الخسائر ولو بتوريث كوارث تحتاج إلى عقود، أو ما يمكن أن أصفه بـ«متلازمة أفغانستان» التي تشبه العودة الأبدية لحالة ما قبل الدولة.

فتّش عن الميليشياوية رعايةً وتأييداً ودعماً، وصولاً إلى حالة الإنكار والإهمال، وستعرف أن المنطقة للأسف تعيش أسوأ مراحلها، حيث تتحكّم الميليشيات المسلحة والتنظيمات المتطرفة، السنيّة والشيعيّة، في إنتاج الأزمات، والفعل المسلح الذي يؤثر بشكل مباشر على صناعة القرار واتخاذ ردات الفعل، إضافة إلى تفاعل المجتمع الدولي حيال ذلك من العراق إلى سوريا إلى لبنان ثم اليمن فليبيا وشمال أفريقيا، هذا بشكل مباشر ويومي وفاعل، وفي بقية المناطق حول العالم متى ما انهار منطق الدولة واستبدل به منطق الثورة وما يتبعه من اقتصاد موازٍ ومجتمع متفكك.

الإشكالية تتعمق في العراق بسبب اختلافات جوهرية على مستوى العلاقة بالدولة بين الجماعات المسلحة التي أصبحت واقعاً معيقاً لأي إصلاحات حقيقية. وعلى عكس كل الفصائل المصنفة على قائمة الإرهاب في العراق، منها مثلاً «كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق» و«كتائب سيد الشهداء»، فإن ميليشيا «حزب الله النجباء» لا تدخل ضمن سياق المجموعات المتصلة ولو شكلانياً بالدولة، فهي مستقلة ومنفصلة تماماً عن الدولة، بالتالي ليست لديها أي حسابات خاصة أو ما تخسره، ومن هنا يمكن فهم خطابها الغاضب، الذي وصف كل من سواها من الميليشيات بالجبن والخور وممالأة النظام والخوف من الولايات المتحدة التي قامت بتكرار نمطها المعتاد ضمن سياق ردة الفعل ورسالة الردع المحدودة باستهداف قيادي وهو مشتاق طالب السعيدي، المسؤول وفقاً للتقارير البحثية عن الإمداد بآخر الأسلحة الإيرانية المتطورة من الطائرات المسيّرة.

هذا النوع من الاستهداف، كما وصفته مراراً بـ«الوجبات السريعة»، قد يؤدي إلى انكسار مؤقت للميليشيا، لكنه سيساهم في صعود نجمها وقدرتها على التحشيد واكتساح شباك التذاكر في سوق الميليشيات باعتبارها أكثر تضحوية من غيرها، وسيساهم في سياق التنافس الميليشياوي إلى أن تحذو جماعات أخرى حذوها لمحاولة كسب الرأي العام داخل التنظيمات المسلحة والمضي قدماً في سوق التنافسية على التمثيل الرمزي لمكافحة الوجود الأميركي واسترضاء المركز في طهران.

في مقابل منطقة تعجّ بالميليشيات والاغتيال والدم تتمسك دول الاعتدال، في مقدمها السعودية، رغم كل التشغيب، بمنطق الدولة واحترام السيادة وقضية الاستقرار، محذرة أكثر من مرة من مغبة التساهل مع السلوك الميليشياوي وداعميه، الذي سيساهم في تدمير المنطقة، خصوصاً مع نمط الانسحاب وأمثولة كابل التي أعطت درساً كبيراً لدول المنطقة في مسائل تتصل بالسيادة والأمن الوطني وتمتين الداخل ومفهوم التحالف.

اليوم المنطقة مملوءة بخطابات محتقنة جداً، وتتجه نحو الشمولية، ليس ضد تثوير حالة السلم، إنما ضد العسكرة والتحشيد، يتم التصالح معها بشكل براغماتي ضيق من معسكرين؛ معسكر الأصوات الناقمة على الإدارة الأميركية السابقة في أميركا، التي تضغط على إدارة بايدن لخلق تفاوض هش، ومعسكر الباحثين عن فرص اقتصادية، ولو على حساب أمن المنطقة من بعض الأجنحة في الدول الأوروبية التي تسعى إلى الانتعاش الاقتصادي ولو عبر التصالح مع تلك العقيدة العسكرية، وغض النظر عن جرائم إيران ضد شعبها ودول المنطقة.

اليوم على العراق والخليج عبء كبير جداً بسبب تضخم حالة عسكرة المنطقة ومحاولة تطبيع واقع ناشز عبر القبول بالميليشيات، لذلك إعادة ترسيم أمن الخليج هي أولوية قصوى للمحافظة على مكتسبات «رؤية 2030» التي يتجاوز أثرها المملكة إلى عموم الشرق الأوسط بما تملكه من خطوط عريضة لمستقبل مزدهر. التحدي اليوم هو التعاون مع العقلاء في العالم لدعم مشروع الاستقرار المؤسس على أمن الأوطان الحجر الأساس في رفاهية البشرية، بالأخص شعوب المنطقة التي سئمت حالة التردي التي لا يمكن أن تستحيل إلى واقع مستدام.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صعود الميليشيات هل تنجح مقاربة الوجبات السريعة صعود الميليشيات هل تنجح مقاربة الوجبات السريعة



GMT 18:25 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 18:10 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جمعية يافا ومهرجان الزيتون والرسائل العميقة

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:31 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 لبنان اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:17 2014 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يجدد دماء المبادرة العربية

GMT 09:55 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي سعد لمجرد يُروج لأغنيته الجديدة "صفقة"

GMT 08:41 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon