النظام الشرق أوسطي وشروط الاستقرار الإقليمي

النظام الشرق أوسطي وشروط الاستقرار الإقليمي

النظام الشرق أوسطي وشروط الاستقرار الإقليمي

 لبنان اليوم -

النظام الشرق أوسطي وشروط الاستقرار الإقليمي

بقلم : الدكتور ناصيف حتّي*

كيف يبدو المشهد في الشرق الأوسط في نهاية عام 2021، علماً بأن مجمل المراقبين والمتابعين لأوضاع المنطقة يتفقون على أننا نعيش منذ سنوات في نظام إقليمي فوضوي... نظام شهد ضعف أو تراجع القواعد والأعراف الدولية المعروفة التي تستند إليها العلاقات بين الدول وتسمح بتنظيم واحتواء وإدارة الخلافات بين الدول من جهة وتعزيز المشترك والبناء عليه من جهة أخرى؟!
حصل ذلك عندما قامت قوى إقليمية بتبني عقائد تقوم على هويات ما دون الوطنية من دينية ومذهبية وإثنية وعابرة للوطنية بأهدافها وخطابها خدمة لاستراتيجيات تلك القوى. شجع على ذلك (نجاح هذا الخطاب وجاذبيته بعض الشيء) في حالات معينة ضعف وهشاشة العقد الوطني في عدد من الدول من جهة وحالات الحروب والصراعات والانكشاف المختلف الأوجه والجاذب لكل التدخلات التي تعيشها بعض الدول من جهة أخرى. فالمنطقة تشهد منذ سنوات ثلاث حروب: حرب باردة إقليمية، وحروب بالوكالة في النقاط الساخنة، وحروب أهلية. كل من هذه الحروب يغذي ويتغذى على الحربين الأخريين. في المقابل هنالك مؤشرات واعدة بالتغيير، ولكن لم تتبلور أو تترجم بعد بقوة على أرض الواقع كسياسات جديدة تشكل بداية قطيعة مع الحالة القائمة في الإقليم.
من أهم هذه العناصر الجديدة انعقاد مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة في 28 أغسطس (آب) الماضي. المؤتمر الذي أطلق مساراً للحوار بين أطراف بعضها في حالة خصومة شديدة أو شبه قطيعة وعلى أساس بالطبع، لإنجاح هذا المنتدى الحواري التعاوني، اعتماد منطق الدولة والقواعد كما أشرنا الناظمة للعلاقات بين الدول، تعاوناً وخلافاً. ولا يكون بالطبع من خلال اعتماد منطق الثورة وحق التدخل مباشرة أو عبر أطراف غير الدولة من منظمات وحركات مسلحة، في شؤون دول أخرى، أياً كانت عناوين أو مبررات هذا التدخل. مسار دونه الكثير من التحديات ولكن عوامل عراقية وعربية ودولية تدفع باتجاه انطلاقه. عنصر آخر حامل للتغيير يتمثل في العودة ولو ما زالت متعثرة، للمفاوضات النووية (5 زائد 1) مع إيران في ظل وجود شروط وشروط مضادة ومخاطر توصل إيران إلى «العتبة النووية»، أي القدرة على إنتاج السلاح النووي. الأمر الذي يؤدي إلى تأزم كبير حامل لمخاطر مواجهة عسكرية وتداعيات خطيرة على المنطقة. النجاح في إعادة إحياء الاتفاق النووي، مع تعزيزه أو تحصينه كما يرى كل طرف وبشكل شبه مناقض للطرف الآخر، أمر ليس بالسهل مع تغيير الظروف عن تلك التي كانت سائدة عام 2015، ولكنه أيضاً ليس بالمستحيل. نتائج هذا المسار ستكون لها انعكاسات كبيرة، سواء إيجابية أو سلبية على الأمن وعلى الاستقرار الإقليمي وأيضاً على القضايا الأخرى في المنطقة.
التطبيع العربي مع سوريا مسار آخر، يأخذ أشكالاً وسرعات مختلفة دون أن يحظى بالطبع بإجماع عربي. يحصل ذلك، كما يقول أصحاب هذا التوجه، تحت عنوان إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وتحت عنوان إحداث توازن مع الدور وتحديداً النفوذ الإيراني في سوريا، نظراً لأهمية الموقع الجيواستراتيجي لسوريا كما يضيف هؤلاء. عودة الاتصالات الاستكشافية، أو التدريجية بين إيران وبعض القوى العربية الأساسية مسار آخر، ولو بسرعات مختلفة أيضاً، أياً كانت العراقيل التي ما زالت أمامه، يعكس بداية تغير في المنطقة. كما يشكل مسار التطبيع «وعودة المياه إلى مجاريها» على الصعيد العربي التركي ولو بسرعات مختلفة بين حالة وأخرى تغيراً أساسياً في المنطقة يؤثر ويتأثر بالمسارات الأخرى التي لكل منها ديناميتها الخاصة عنصر أساسي يفترض توفيره للدفع باتجاه انتقال الشرق الأوسط من حالة الفوضى إلى «نظام دولتي طبيعي». نظام يمكن وصفه بنظام «وستفاليا جديد»: نظام يقوم على منطق الدولة وليس المنطق التدخلي باسم آيديولوجيا عابرة للأوطان، تتحدث فوق رأس الدولة ولا تعترف بالسيادة الوطنية وبمنطق الدولة. هذا العنصر يتمثل في إطلاق مبادرة عربية من الأطراف المعنية، بهذا الاتجاه لبلورة الأسس التي يفترض أن تشكل قواعد وأنماطاً لنوع العلاقات المطلوب تأسيسها وبلورتها في الإقليم الشرق أوسطي. إطلاق مبادرة عربية في هذا الشأن والعمل على توفير الدعم الدولي المطلوب لها، مع التذكير بأن الاستقرار في المنطقة مصلحة دولية أيضاً ولو اختلفت المصالح بين القوى الكبرى المختلفة، أمر أكثر من ضروري طالما أن العالم العربي يبقى الملعب الأساسي لهذه الحروب يدفع ثمنها من استقراره وازدهاره.

- وزير الخارجية اللبناني السابق

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النظام الشرق أوسطي وشروط الاستقرار الإقليمي النظام الشرق أوسطي وشروط الاستقرار الإقليمي



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 18:25 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 18:10 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جمعية يافا ومهرجان الزيتون والرسائل العميقة

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان - لبنان اليوم

GMT 07:53 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 لبنان اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:28 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 لبنان اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 06:42 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

وفاء عامر تكشف أسباب اعتذارها عن مسلسل "سيد الناس"
 لبنان اليوم - وفاء عامر تكشف أسباب اعتذارها عن مسلسل "سيد الناس"

GMT 08:52 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 لبنان اليوم - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 10:16 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

حاذر ارتكاب الأخطاء والوقوع ضحيّة بعض المغرضين

GMT 15:59 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

تواجهك عراقيل لكن الحظ حليفك وتتخطاها بالصبر

GMT 01:05 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

تعلم لغة ثانية يعزز المرونة المعرفية لأطفال التوحد

GMT 12:35 2022 الأحد ,03 تموز / يوليو

"تي باو" تطلق اللاب توب Tbook X11 الجديد

GMT 08:03 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

جنوب سوريا شبيه لجنوب لبنان

GMT 12:33 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم ننعى إليكم لغتنا يا تلاميذ فعزونا

GMT 15:28 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

هالة سرحان سفيرة معرض أبوظبي الدولي للكتاب

GMT 12:12 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

تعرف علي توقعات أحوال الطقس في السعودية الأحد

GMT 01:58 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مي عمر تؤكّد أنها ترى "لؤلؤ" أكثر عمل ناجح جماهيريًا

GMT 06:27 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشاف بلدة قديمة هجرها السكان فجأة في فرنسا

GMT 02:47 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

نقابة الممثلين الأميركيين تهدد ترامب بالفصل

GMT 14:28 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 17:05 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

إطلاق ثعلب في محمية إهدن عُرض للبيع بـ300 دولار
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon