بقلم: طارق الشناوي
كثيرة هي الحكايات التي صاحبت ولا تزال أغنية (أنت عمرى)، أكثرها تداولا أن الرئيس جمال عبدالناصر طالب القامتين والقمتين أم كلثوم وعبدالوهاب بحتمية اللقاء وكأنه قرارًا جمهوريًا، أما الحكاية الثانية فهى (أنت عمرى) أغنية صوفية، والشاعر أحمد شفيق كامل كان يناجى الله قائلا (خدنى لحنانك خدنى/ عن الوجود وابعدنى).
عندما تستمتع إلى عبدالوهاب وهو يحكى كيف بدأ لقاء (أنت عمرى)، يصعد اسم عازف الكمان الشهير في فرقة أم كلثوم أحمد الحفناوى، الذي كان صديقا للعملاقين، قال لعبدالوهاب مبتسما، ألم تشعر أمس (بشرقة)؟، أجابه: نعم مين كان بيجيب سيرتى؟، قال له أم كلثوم.
وأضاف تريدك أن تلحن لها، فقال له ياريت، ثم سأله هل تعرض عليك أم كلثوم الكلمات؟، أجابه عندى كلمات تصلح للست، وكان بصدد تلحين مقاطع من (أنت عمرى) ليغنيها بصوته، في لحظات، تواصل عبدالوهاب مع أم كلثوم، قالت له آجى لك بكرة؟، أجابها أنا سوف أزورك غدا، لا أم كلثوم ولا عبدالوهاب ذكرا عبدالناصر في جملة مفيدة تشير إلى تدخله، أكثر من ذلك قال لى الموسيقار الكبير كمال الطويل إن عبدالوهاب انشغل قليلا عن استكمال اللحن، فتواصلت معه أم كلثوم من أجل تلحين (أنت عمرى)، ولكن الطويل بعد أسبوعين اعتذر لها، وقال لى مفسرا إن الناس كانت تنتظر لقاء أم كلثوم وعبدالوهاب، ودخوله على الخط كان سيفسد قطعا هذا اللقاء التاريخى، فهل من الممكن أن يصدر عبدالناصر قرارا، ثم تمنح أم كلثوم الأغنية لكمال الطويل؟
كما أن المهندس محمد الدسوقى، ابن شقيقة أم كلثوم، المسؤول عن إدارة أعمالها، نفى في آخر تسجيل له أجراه مع الإذاعى الكبير وجدى الحكيم أي دور لعبه عبدالناصر في (أنت عمرى).
الشائعة الثانية وهى في الحقيقة ليست كذلك، بقدر ما هي قراءة متعسفة للأغنية، بعض المبدعين الكبار يسكنهم مع مرور الزمن حالة مرضية من الإحساس بالذنب، خوفا من أن هذا الإبداع قد يغضب الله عز وجل.
عرفت الشاعر الكبير أحمد شفيق كامل في تلك المرحلة العمرية، نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات، عندما كان قد أعلن قبلها اعتزاله كتابة الأغانى العاطفية، والاكتفاء فقط بالدينى والوطنى، بعد أن صار واحدا من مريدى ودراويش الشيخ متولى الشعراوى، الذي حرم عليه كتابة الأغانى العاطفية.
كان شاعرنا الكبير يشعر بحالة من الخجل لأنه كتب أغانى عاطفية تتغزل في المرأة، وكاد أن يحرم على نفسه تقاضى أي أموال تدرها تلك الأغانى، حتى لا ينفق من مال حرام.
الكاتب الكبير خيرى شلبى قدم عنه كتابا اسمه (أنت عمرى) قال فيه (حقيقة الأمر أن أحمد شفيق كامل شاعر صوفى صرف، وجميع أغنيات الحب التي غنتها أم كلثوم من تأليفه، سواء من تلحين عبدالوهاب أو بليغ حمدى، إنما هي أغنيات عشق صوفية، وما الحبيب فيها سوى الله سبحانه وتعالى).
انتهت كلمات خيرى شلبى واستمعت بتمعن إلى كلمات أغانى شاعرنا الكبير، وقرأتها عشرات المرات وتأكدت بما لا يدع مجالًا للشك أنها لا يمكن أن تحمل أي معانى صوفية، ومن المستحيل أن تقترب من الذات الإلهية، هذا التحليل الذي يبدو في ظاهره الرحمة، إلا أنه في باطنه العذاب.. وأجمل ما في «أنت عمرى» أن شفيق كامل تغزل في محبوبته قائلاً:
صالحت بيك أيامى
سامحت بيك الزمن
نسيتنى بيك آلامى
ونسيت معاك الشجن
أين هي إذن الصوفية في (أنت عمرى)؟!.