كامل الشناوي وأكذوبة لا تكذبي

كامل الشناوي وأكذوبة (لا تكذبي)

كامل الشناوي وأكذوبة (لا تكذبي)

 لبنان اليوم -

كامل الشناوي وأكذوبة لا تكذبي

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

مرت أمس ذكرى رحيل الشاعر والصحفى الكبير كامل الشناوى، الذى عاش على هذه الأرض ٥٧ عاما، ولد 1908 ورحل 1965، لم يُصدر فى حياته سوى ديوان واحد (لا تكذبى)، بينما بعد الرحيل قرأنا عشرات من المقالات تغض الطرف عن كل شىء ولا يعنيها سوى (لا تكذبى)، بل إن الكاتب الروائى الكبير إحسان عبدالقدوس أحالها إلى رواية أطلق عليها (وعاشت بين أصابعه) استلهم العنوان من هذا المقطع (تباعدت وتدانت / كإصبعين فى كفى)، الذى رددته نجاة بتلحين محمد الموجى فى قصيدة كامل الشناوى (حبيبها/ لست وحدك حبيبها)، التى قرأها البعض باعتبارها الفصل الثانى من (لا تكذبى).

كان كامل الشناوى يشعر بأنه سيغادر الحياة مبكرا، ولهذا كتب وصية لأحد أقرب تلاميذه إلى قلبه الكاتب الساخر الكبير أحمد رجب يقول له: (يا أحمد أنت تصغرنى بعشرين عامًا، وسوف تعيش بعدى، وأوصيك بأن تكتب كل ما احتفظت به ذاكرتك من أحاديث ومواقف عشناها معا) ولم ينفذ الأستاذ أحمد رجب وصية كامل الشناوى، وكثيرا ما كنت أسأله فكان يقول لى: (قريبا ستقرأ)، ولم أقرأ شيئا حتى رحل الأستاذ رجب قبل عشر سنوات.

ساخر كبير أيضا من أشهر وأخلص تلاميذه، محمود السعدنى، كتب عن كامل الشناوى فصلًا فى كتابه الممتع (الظرفاء)، وأصر أن يكتب المقدمة كامل الشناوى، ورحل كامل الشناوى قبل أن يقرأ الكتاب. ذكر السعدنى العديد من الحقائق، التى عاشها مع الشاعر الكبير، بعد رحيل كامل الشناوى وجدنا البعض يأخذ كلمة من هنا وأخرى من هناك، ويدعون أشياء لم تحدث، بعضهم استغل كتاب السعدنى وأضاف حكايات أخرى لا علاقة لها بالواقع، وأغلبهم اختصر كامل الشناوى فى قصة واحدة وقصيدة واحدة (لا تكذبى) بينما حقيقة القصيدة أنها مجرد خيال فى خيال فى خيال، إنه الصدق الفنى الذى يتجاوز فى تأثيره على المتلقى صدق الحقيقة. كامل الشناوى هو عمى، عرفته فقط بعيون الطفل، كنت أحفظ أشعاره، وأنا لا أدرك أغلب المعانى، كان أبى يقرأها أولا، وأنا أرددها بعده، مثنى وثلاث ورباع حتى أحفظها جيدا.

كان عمى كامل بعدها يقول: (طارق ما عندوش لا الابتدائية ولا الإعدادية، عنده ما هو أهم الاستعدادية) ثم يمنحنى مكافأة ثرية بمقياس تلك الأيام خمسة جنيهات، تستطيع أن تضع وأنت مطمئن أمام الرقم أربعة أصفار لتدرك كم كانت تساوى فى ذلك الزمان.

كان عمى فى حياته يرفض أن يصدر كتابًا، لأنه أدرك حجم المسؤولية التى يعنيها أن يخترق حاجز الزمن كتاب يحمل اسمه، كنت كثيرا ما أقرأ ما يكتب عنه بحكايات يرويها توفيق الحكيم وإحسان عبدالقدوس وأم كلثوم ومصطفى أمين ويوسف إدريس ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم وبليغ حمدى وكمال الطويل وفتحى غانم وسناء جميل وغيرهم من الكبار. بدأت أقرأ وأستعيد القصاصات الصحفية، بعض الكتب أصدرها عمى الشاعر والصحفى الكبير مأمون الشناوى تضم بعض ما كتبه شقيقة الكبير، عمى مأمون يصغره بـ٦ سنوات، ووجدت أمامى كنزًا لا ينفد من الإبداع الساخن، بقدر ما هو ساخر وساحر، فى كل مرة تستعيد كلماته تكتشف لمحة أكثر عمقا.

أعترف لكم، كم أنا مُقصر، ليس لأنه عمى، ولكن لأنه قامة وقيمة إبداعية استثنائية، فى الصحافة والشعر، حتى إنهم فى برنامج إذاعى يستضيف فنانا وصحفيا يتبادلان المواقع، سألته نجاة باعتبارها هى المحاورة: (بأى صفة تريد أن تدخل عالم الخلود الشاعر أم الصحفى؟) أجابها: (الشاعر وهناك أمارس الصحافة).

فى ذكرى كامل الشناوى استعدت كثيرا من كتابته النثرية وأشعاره وازددت فخرا واعتزازا بها وفى نفس الوقت شعرت بخنجر من الذنوب يخترق قلبى، كم أنا مقصر فى حق عمى، لأننى لم أوثق كل ذلك فى كتاب، يبحث ويدقق ويروى الكثير مما لم نحسن استيعابه أو حتى قراءته.

أتمنى أن أتقدم بإجازة من كل الالتزامات التى تلاحقنى يوميًا، وأنجز هذا الكتاب الذى صار حلمًا.

اختصر البعض الشاعر والصحفى الكبير كامل الشناوى فى قصيدة واحدة (لا تكذبى)، وتلك هى كذبة الأكاذيب!!.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كامل الشناوي وأكذوبة لا تكذبي كامل الشناوي وأكذوبة لا تكذبي



GMT 19:12 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

«إيزي» عم توم

GMT 19:11 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

يَا مَنْ يَعِزُّ عَلَيْنَا أَنْ نُفَارِقَهُمْ!

GMT 19:10 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

المحاور والجبهات الغائبة

GMT 19:09 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

ساركوزي ومانديلا ودراما السياسة

GMT 19:08 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... اختبار الدولة لا اختبار السلطة

GMT 19:04 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

المخاوف الأوروبية والهواجس الروسية

GMT 19:02 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

الدلالات غير السياسية للتجربة السورية

GMT 18:56 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

العامل والسقالة والوعي

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 13:36 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 09:53 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

«حماس» تتوارى عن الأنظار

GMT 06:12 2014 الأربعاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

.. و"دقّت ساعة بغ بن"

GMT 10:03 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

جديد أميركا وثوابتها

GMT 04:06 2015 الإثنين ,23 شباط / فبراير

قوائم الانتخابات

GMT 10:57 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"بي بي سي" تواجه معركة قانونية شرسة مع أقوى رجل في العالم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon