السينما الإيرانية السؤال الحائر من «الجونة» إلى «القاهرة»

السينما الإيرانية.. السؤال الحائر من «الجونة» إلى «القاهرة»!

السينما الإيرانية.. السؤال الحائر من «الجونة» إلى «القاهرة»!

 لبنان اليوم -

السينما الإيرانية السؤال الحائر من «الجونة» إلى «القاهرة»

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

السينما الإيرانية كانت- ولا تزال- تشكل مأزقًا يواجه القائمين على المهرجانات السينمائية فى مصر، قبل نحو عشر سنوات أتذكر جيدًا أن وزير الثقافة الأسبق، الراحل د. جابر عصفور، بعد إعلان نتيجة المسابقة الرسمية لمهرجان (القاهرة)، وفوز الفيلم الإيرانى (ميلبورن) بجائزة (الهرم الذهبى)، أمسك بالميكروفون وكأنه يعتذر للدولة المصرية وللعالم كله، موضحًا لماذا حصلت إيران على الجائزة، ولسان حاله يقول للمتربصين (هذه نقرة وتلك نقرة).

أردف قائلًا: (إننا نختلف سياسيًا وفكريًا مع التوجه الإيرانى، ولكننا منحنا السينما الإيرانية الجائزة، لأننا لا نخلط الأوراق بين الفنى والسياسى)، وأشاد بالموقف المصرى، استغرق هذا الأمر نحو عشر دقائق للتبرير وإبراء الذمة، ومن بعدها ظل الفيلم الإيرانى يعامل بحذر، وكالعادة وأخذًا بالأحوط يميل مهرجان (القاهرة) مع تعاقب القيادات إلى عدم عرض الفيلم الإيرانى، وأتصور أن هذا أيضًا ما سوف يكرره حسين فهمى فى تلك الدورة من المهرجان ( ٤٥)، التى تفتتح ١٣ نوفمبر القادم.

يوجد نوعان وتوجهان يحملان اسم إيران، ما تنتجه أو تساهم فيه وتراجعه الرقابة الإيرانية ويتم تصويره تحت عيون الدولة، وهى فى العادة أفلام لا تحمل أى لمحة نقدية للأوضاع الحالية، وقطعًا لا يمكن فقط أن نصفها بأنها (الشرعية) بمعناها القانونى والدينى، ولكنها فى عدد منها تذهب بعيدًا وتنطلق من نقطة هادئة جدًا واعتيادية، فى العلاقات بين البشر تعثر على ومضة إنسانية تتأملها، إلا أنها تطبق بضراوة حرفيًا كل شروط الرقابة التى تتطلب البعد عن العنف وتجنب أى مشهد يحمل أو يوحى بعلاقة عاطفية مباشرة بين رجل وامرأة، ناهيك عن عدم تواجد رجل وامرأة فى مكان واحد تحسبًا من أن يصبح الشيطان ثالثهما، وطبعًا المرأة حتى داخل جدران البيت تظل مرتدية الحجاب، ولا سلام باليد مع من يؤدى دور زوجها، والحجة هى أنه ليس فى الحقيقة زوجها فكيف تصافحه؟، هذه التفاصيل وغيرها من المؤكد تكبل السينمائى فى إيران، فى نفس الوقت فإن البديل الذى يلجأ إليه قاس جدًا، من الممكن أن يزج به إلى السجن، أو كحد أدنى يمنع من السفر أو ممارسة المهنة، وهو مصير لاقاه كُثر من المبدعين فى إيران، مثل المخرجين جعفر بناهى ومحمد رسولوف، وغيرهما، ورغم ذلك، فإن عددًا من هذه الأفلام التى تصور بالداخل تصل بطريقة سرية للمهرجانات الكبرى، وتحصل على جوائز مثل الفيلم الإيرانى الذى اقتنصه مهرجان (الجونة) هذه الدورة (بذرة التين المقدس) لمحمد رسولوف.

(الجونة) أكثر حرية فى التعامل مع الأفلام، ويختار بلا محاذير سياسية مكبلة له، وهو ما يظهر فى حريته المطلقة بالاختيار.

عرض (بذرة التين المقدس) اختيار موفق للجونة، خاصة أنه لم يفعل مثل مهرجان (كان) ويعتبرها معركة سياسية، فقط اكتفى بعرض الفيلم، أتذكر أن المخرج الممنوع من السفر بأمر المحكمة، محمد رسولوف، كان عليه أن يقضى بالسجن ٨ سنوات واجبة النفاذ، ناهيك عن مئات من ضربات السياط يتلقاها يوميًا _ الجلد عقوبة لا تزال تطبق فى إيران _ تمكن رسولوف من عبور الحدود، وذهب لمكان آمن، لم يعلن عنه تخوفًا من ملاحقة السلطات الإيرانية، وغالبًا هو لا يزال فى واحدة من المدن الأوروبية، بعد أن وصل فى مايو الماضى إلى (كان) وحضر عرض فيلمه وتسلم بعد أيام جائزة لجنة التحكيم.

قطعًا حسين فهمى لا يملك المجازفة سياسيًا بعرض فيلم إيرانى مخرجه منشق عن السلطة، ولكن (الجونة) يستطيع.

للأفكار أجنحة قادرة على التحليق دومًا والطيران، بعيدًا عن مرمى النيران، وهكذا صار رسولوف من مجرد مواطن ينتظر حكمًا بالسجن ثمانى سنوات وجلدًا وتنكيلًا، إلى بطل.

(بذرة التين) فى الثقافة الإيرانية- كما يشير أكثر من مرجع- هى بذرة تنبت عشوائيًا، إلا أنها حتى تواصل النمو، تغتال كل النباتات الأخرى بجوارها لتنفرد بالحياة، ولا يقاسمها مصدر المياه أى ثمرة أخرى بجوارها.

استمد رسولوف حكاية البطل من تلك النبتة، فهو كما يبدو فى بداية الأحداث محبًا لأسرته، عاشقًا لزوجته وابنتيه، ناجح فى مهنته كمحامٍ، تفكر الدولة فى الاستعانة به فى منصب قضائى داخل النيابة حتى يصعد بعدها إلى درجة القاضى، يكتشف أن عليه الموافقة على كل أحكام الإعدام بحق المواطنين الذين تعتبرهم الدولة الإيرانية من الأعداء، يوافق على تلك المقايضة، يبيع من أجلها قناعاته، ولأنه يصبح مطلوبًا أمام أعداء الوطن_ كما يطلقون عليهم _ يتم تسليمه مسدسًا لحمايته الشخصية.

فى خط موازٍ تندلع المظاهرات فى الشارع الإيرانى، مطالبة بالحرية وبعدم فرض الحجاب على الرؤوس، العنف الذى مارسته السلطة أوضح أنها فاقدة السيطرة على مجريات الأمور.

النقاش بين الأب وابنتيه وزوجته أكد على التباين العميق فى الأفكار، بعد أن صار جزءًا من النظام، ولهذا يبرر القسوة والعنف اللذين تغالى الدولة فى توجيههما لمن يختلف معها. وفى المظاهرات نرى الفتاتين وهما تحاولان إنقاذ فتاة ثالثة بعد أن أطلقوا على وجهها رصاصهم المطاطى العشوائى.

نصبح دراميًا أمام رجل فى مواجهة قبيلة النساء داخل المنزل، يشكلون أفراد الأسرة، يزداد الأمر شراسة داخل الأسرة، عندما لا يجد المسدس، يعرضه فقدانه للسجن، ولهذا يقرر أن يبطش بالجميع.

إنه تجسيد حى لتلك البذرة التى لا تنمو وتزدهر مثل (التين المقدس)، إلا على آلام وسحق حياة الآخرين!!.

الخط العام فى السينما الإيرانية، ومن علاماته المخرج الراحل عباس كيروستامى، صاحب فيلم (طعم الكرز)، يبدأ هادئًا ولا ينبئ فى العادة بأى صراع، ثم ينتهى إلى الذروة بالقتل أو الموت أو الانتحار، ومن خلال تتابع السيناريو ينتقل رسولوف، بإيقاع لاهث، إلى تلك الذروة. المخرج بحنكة استعان بلقطات توثيقية تناولت المظاهرات الأخيرة فى إيران، وضعها فى سياق الفيلم كجزء درامى، لنرى كيف واجهت الشرطة المحتجين، خاصة من النساء، بكل هذا العنف المفرط.

رسولوف حافظ على إيقاع الأحداث وتدفقها، من خلال بناء يبدو فى البداية هندسيًا، ثم بعد ذلك يصبح مع تتابع المشاهد انسيابيًا، رجل قانون يواجه قبيلة من النساء هن أقرب الناس إليه، على استعداد أن يضحى بهن جميعًا من أجل أن يظل فى موقعه داخل السلطة، متجاوزًا كل مبادئ القانون.

يبقى السيناريو الواقعى (اللغز)، ولا أتصور أن محمد رسولوف سوف يبوح به على الأقل الآن، كيف تمكن من الهروب خارج البلاد؟، وكيف تم تنفيذ الفيلم وهو ممنوع عليه ممارسة المهنة وتحت المراقبة ٢٤ ساعة؟.

السينما الإيرانية تجسد فى عمقها إصرار مبدع على التعبير متجاوزًا كل المعوقات والمحاذير الرقابية والأمنية، عدد من مخرجيها صارت الصفة الأكبر والأهم لهم أنهم مناضلون بالكاميرا.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السينما الإيرانية السؤال الحائر من «الجونة» إلى «القاهرة» السينما الإيرانية السؤال الحائر من «الجونة» إلى «القاهرة»



GMT 19:47 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي

GMT 19:45 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

هجرات جديدة على جسور الهلال الخصيب

GMT 19:43 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الخيط الأميركي

GMT 19:39 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي في واشنطن استمرارية أم انعطافة؟

GMT 19:34 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

لا فرصة للعرموطي برئاسة مجلس النواب

GMT 19:30 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الصندوق؟!

GMT 19:27 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلاهما مُر

GMT 19:25 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العميد والعقاد!

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات اسرائيلية على جنوب لبنان وصواريخ تطلق نحو الجليل
 لبنان اليوم - غارات اسرائيلية على جنوب لبنان وصواريخ تطلق نحو الجليل

GMT 07:02 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يُعرب عن سعادته بالإنجاز الذي حققته أغنيته "المعلم"
 لبنان اليوم - سعد لمجرد يُعرب عن سعادته بالإنجاز الذي حققته أغنيته "المعلم"

GMT 13:59 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:41 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 09:34 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار لتنظيم مكتب الدراسة وتزيينه في المنزل المعاصر

GMT 12:35 2022 الأحد ,03 تموز / يوليو

"تي باو" تطلق اللاب توب Tbook X11 الجديد

GMT 21:10 2021 الثلاثاء ,14 أيلول / سبتمبر

طنجة عروس شمال المغرب افضل وجهات شهر العسل لصيف 2021

GMT 21:45 2023 الأربعاء ,14 حزيران / يونيو

ديكور أنيق يجمع بين البساطة والوظائفية

GMT 19:09 2023 الأحد ,09 إبريل / نيسان

تنانير عصرية مناسبة للربيع

GMT 09:06 2022 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

أفكار لتجديد حقيبة مكياجكِ وروتين العناية ببشرتكِ

GMT 04:50 2021 الجمعة ,20 آب / أغسطس

أفضل وجهات شهر العسل بحسب شهور العام

GMT 13:22 2022 الأحد ,13 شباط / فبراير

مكياج خفيف وناعم للمناسبات في المنزل

GMT 11:27 2022 الثلاثاء ,14 حزيران / يونيو

تحضير بخاخ ماء الورد للعناية بالبشرة والشعر

GMT 09:15 2022 الثلاثاء ,07 حزيران / يونيو

صحيفة "دايلي ستار" اللبنانية تُسرّح جميع موظّفيها
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon