بقلم: طارق الشناوي
فى الأسابيع الأخيرة، كثيرًا ما قرأنا عن اعتزال عدد من الفنانين، يأخذ الخبر مساحة من الاهتمام قبل أن يتم التواصل مع (المعتزل) لينفى تماما صحة الشائعة.
أكثر فنان لاحقته فى السنوات الأخيرة ولا تزال شائعات الاعتزال هو عادل إمام.. غاب عادل عن الدراما عامين، وسوف يغيب أيضا عن دراما رمضان العام القادم، ولكنه لم يعتزل رسميًا، أعتبرها استراحة محارب.. قد تطول. لا أتصور أن عادل سوف يخرج على الناس بخطاب اعتزال، وكل ما كان ينشر عن فيلم العودة (الواد وأبوه)، توقف تماما.. ولكن الاعتزال الرسمى وبختم النسر لا أتصوره واردًا عند عادل ولا فى عالمنا العربى إلا فى القليل النادر، مثل فنان الكاريكاتير الراحل حجازى، الذى أطلقوا عليه (سيد درويش الكاريكاتير)، قرر عندما بلغ الخمسين أن ينهى علاقته بالرسم، وسلّم مفتاح شقته الإيجار فى حى المنيل لصاحب العمارة وعاد إلى طنطا قائلا: (إننى أعطيت ما استبقيت شيئا)، وعاش بعدها نحو ربع قرن فى رحاب السيد البدوى، وكان عزوفًا عن الإعلام قبل وبعد الاعتزال.
كانت رسوم حجازى ولا تزال تملك سحرًا وسرًا خاصًا، ورغم ذلك قرر أن يكتفى بهذا القدر، رغم أنه كان يقف على القمة، وأظنه كان يستشعر نجاحه مع كل كاريكاتير يقدمه للناس على صفحات مجلة (صباح الخير).
نتعامل وفق قانون تستطيع أن تحدد وعلى وجه الدقة معدلات الصعود والهبوط، كل شىء فى (الميديا) من الممكن إحالته إلى رقم.
النجوم قد يتعرضون لتراجع فى الوهج الجماهيرى، وأيضا فى تناقص الأجر، وفى ترتيب كتابة أسمائهم على الشاشة، مثلا جاك نيكلسون الذى يكبر عادل إمام بنحو ثلاثة أعوام، لم يعد يتصدر (التترات)، ولا هو الأعلى أجرًا بين النجوم، إلا أنه لم يلوح أبدا بورقة الاعتزال.
الاعتزال هو أصعب قرار يتخذه مبدع، خاصة وهو لا يزال يحظى بكل هذا الحب.
فى عام 1966 مثلًا بعد أن لحن رياض السنباطى قصيدة (الأطلال) لأم كلثوم، وجد أنه من المستحيل أن يقدم لحنًا أجمل، ولا أم كلثوم تستطيع أن تغنى ما هو أروع، وطلب منها أن يعلنا معًا للجمهور اعتزالهما، ورغم أن الأيام أثبتت صدق ما قاله السنباطى، حيث إنه فى نهاية القرن العشرين، وبعد رحيل العملاقين، توجت (الأطلال) بلقب (قصيدة القرن العشرين)، ولم تُقدم (الست) للجمهور ما هو أعلى من (الأطلال)، إلا أن قرار أم كلثوم كان مواصلة الغناء وحتى آخر نفس، وعندما عجزت عن الغناء فى حفل جماهيرى قبل رحليها عام 75 بعامين فقط، حرصت على تسجيل أغنية (حكم علينا الهوى) فى الأستوديو، والسنباطى أيضا لم يعتزل بعد رحيل أم كلثوم، قدم ثلاث قصائد لفيروز.. مع الأسف لم تر النور حتى الآن.. وتلك حكاية أخرى، محمد خان قال لى إنه لا يمكن أن يعتزل حتى لو ذهب للاستوديو زاحفًا.. بعد رحيله كان متعاقدًا على تنفيذ أكثر من سيناريو.
لا أحد يستطيع أن يضع نقطة النهاية للمشوار سوى الفنان نفسه، محمود المليجى مثلا يقول: (أُفضّل أن أظل جنديًّا فى الميدان على أن يقال عنى جنرال متقاعد).
ورحل المليجى فعلا داخل (لوكيشن) التصوير وهو يؤدى آخر مشاهده فى الفيلم التليفزيونى (أيوب) أمام عمر الشريف.. الاعتزال لا يليق بالكبار طالما لايزالون على موجة الجمهور!.