بقلم:طارق الشناوي
عندما تستمع إلى أم كلثوم وهي في حالة سلطنة، تجد نفسك تردد «الله يا ست»، «أعد يا ست»، هذا هو حالي مع مسلسل «بطلوع الروح»، أما «الست» هذه المرة، فإنها المخرجة كاملة أبو ذكري التي قدمت لنا على قناة «إم بي سي» واحداً من أفضل ما رأيت في السنوات الأخيرة على الشاشات الدرامية.
العالم كله يعيش على خطوط التماس، مع التنظيم الدولي «داعش»، الدولة التي يطلقون عليها «إسلامية»، وليس لها أي علاقة بالإسلام، في السنوات الأخيرة تعددت الأعمال الدرامية سواء العربية أو العالمية التي يشكل فيها هذا التنظيم العمق الاستراتيجي للدمار، مهدداً الجميع، وشاهراً سيفه على رقاب الجميع.
تتشابه هذه الأعمال في الكثير من الخيوط الرئيسية، مثلما نجد أيضاً الأفلام والمسلسلات التي تتناول الهجرة غير الشرعية تتماس مع بعضها في أكثر من خط درامي عام، وتبقى دائماً قدرة الفنان على التقاط التفاصيل، وهو ما نجحت فيه كاملة، ضرب المسلسل درساً بليغاً في البعد عن الثرثرة الدرامية التي صارت هي العنوان، مع الأسف في القسط الوافر مما نراه أمامنا، خاصة على الشاشة الصغيرة، صار الحشو بكلام فارغ هو القاعدة لملء زمن المسلسل، بينما التكثيف هو الفضيلة الغائبة.
الأحداث دموية، والضربات صاخبة جداً، ولا يخلو الأمر في كل لحظة من كرباج ينهال على امرأة حاولت الفرار، أو طلقات رصاص تنهي حياة رجل، لمجرد أن لديهم قدراً ولو يسيراً من الشك في ولائه الداعشي، أساليب الاحتواء متعددة، كما أن محاولات الهروب من هذا الجحيم لا تتوقف، والمسلسل يؤكد أن سلاح غسيل المخ هو السائد، لإثارة حميتهم للدفاع عن الإسلام، المسلسل أشبه بدراسة ميدانية عميقة، اخترقهم من الداخل، فهو نتاج دراسة موثقة قام بها الكاتب الشاب الموهوب محمد هشام عبية، أحالها إلى مادة درامية تنضح صدقاً وجمالاً.
التنظيم العالمي لا تستطيع اختصاره في «الرقة» التي اختاروها عاصمة لهم، يعتبرونها مجرد نواة للدولة التي تمتد حدودها لتضم بين جدرانها العالم كله.
الكاتب أماط اللثام عن حياتهم، فهم يمارسون في الظلام كل الموبقات تحت ستار زائف من الإسلام، الرشوة والفساد والخيانة والنفاق والكذب والدعارة وكل ما نهى عنه الدين الحنيف، يمارسونه تحت ستار زائف يستظل عنوة بالإسلام.
البعض حاول الطعن في نوايا المسلسل، فهو يفضح المتاجرين بالإسلام حماية للإسلام، إلا أنهم تعمدوا واعتمدوا القراءة الخاطئة، واعتبروه يطعن في الإسلام، متجاهلين كل الفضائيات المليئة بجرائمهم والتي يحيطونها دائماً بشعار مكتوب على الجدران «لا اله إلا الله محمد رسول الله».
كان ينبغي أن يبرق صوت له مصداقية ليفضح كل تلك الممارسات، ومن خلال رؤية إبداعية، وهنا تجب الإشارة إلى المنتج اللبناني صادق أنور الصباح، الذي تصدى لهذا العمل الضخم ويضم فنانين من مصر ولبنان، منة شلبي وإلهام شاهين وأحمد السعدني وعادل كرم ومحمد حاتم وديامان بو عبود ودارينا الجندي وغيرهم، ومديرة تصوير نانسي عبد الفتاح والمونتيرة منى ربيع ومصممة الأزياء ريم العدل، مع تامر كروان، واضع الموسيقي التصويرية.
من أهم وأعمق وأصدق الأدوار التي أدتها منة شلبي طوال رحلتها الفنية، في كل لقطة هناك تعبير متناقض تعيشه «روح»، بين ما تقوله بلسانها وما تصرخ به نظرة عينها، «بطلوع الروح» بين كل الأعمال الرمضانية هو «روح الروح»!!