بقلم:طارق الشناوي
جرأة فى الرصد والتعبير، هذا هو ما نجح فى تحقيقه صلاح إسعاد، مخرج فيلم (سولا)، فى أول تجربة روائية طويلة له، الحاصل على جائزة أفضل فيلم عربى فى (مالمو).الرقابة الجزائرية فتحت هامشًا معقولًا من التعبير يحمل الكثير من الجرأة، لم تعد هناك قضايا من تلك التى دأبنا على وصفها بـ(المسكوت عنها)، وتبقى فى كل الأحوال زاوية الرؤية.
نظرية (الأوانى المستطرقة) تلعب دورًا هامًا فى حياتنا السينمائية، وكلما ارتفع المنسوب فى بلد عربى، تجده أيضا يحفز الآخرين على اقتحام مناطق أخرى.
السينما الجزائرية وعبر التاريخ كثيرًا ما تدهشنا، الجزائر حصلت عن طريق المخرج الكبير محمد الأخضر حامينا على جائزة (السعفة الذهبية) لمهرجان (كان)، وذلك قبل نحو 47 عامًا عن فيلمه (وقائع سنوات الجمر)، سينما مدهشة ومشرفة، صحيح أن معدل الإنتاج لا يتناسب مع تاريخ وحضارة ومواهب البلد العريق، ولكن تلك قضية أخرى.
(سولا) ينطبق عليه توصيف (سينما الطريق)، فى ليلة واحدة يرصد أطياف المجتمع، من خلال رحلة لا تتجاوز 24 ساعة، امرأة مطلقة ترعى ابنتها الرضيعة، تجد نفسها فى الشارع ضائعة، البعض ينفض يده من المسؤولية ويفر بعيدًا، وهناك من يحاول استغلال حاجتها وضعفها لتحقيق مآربه الشخصية منها، ولم نجد إلا فى النادر أيادى حانية، بينما (سولا) تأبى أن تبيع شرفها، وتنتقل من مكان إلى آخر، بحثًا عن مأوى، وذلك من خلال السيارات التى تستجير بها مرغمة، نتعرف على أنماط المجتمع الذى تتعدد مشاربه وأفكاره، وننتقل بعدها إلى رجلين يستقلان سيارة وجدا فى (سولا) فرصة لتفريغ فحولتهما، انطلق صوت آذان الفجر، فأغلقا المذياع، خشوعًا، وبمجرد الانتهاء من الآذان، أكملا بضمير مستريح جريمة الاغتصاب.
السينما تقدم المشاهد الجريئة، ليست لأنها كذلك، السينمائى ينتقى بعينه الموقف الدال على التعبير، الفيلم يدخل فى صراع درامى ونفسى مع الضوء، يبدأ ليلًا فى عز العتمة وشيئًا فشيئا مع مرور الزمن، نلمح بصيصًا من الضوء فى الحياة، ونلمح أيضًا وميضًا من بعيد لبشر لا تزال قلوبهم بيضاء تنبض بالشفقة.
لا تجد (سولا) فى نهاية الأمر سوى أن تضع ابنتها فى صندوق خشبى وتدفع بها إلى البحر، مرددة أن العالم قاس، ولهذا ستتركها ومن خلقها سيرعاها، وكأنها تقدم صرخة للمجتمع لكى يتحرك ويستيقظ.
لم أرتح للنهاية برغم استحواذها على التصفيق والدموع، اللجوء إلى إلقاء الطفلة فى البحر فعل إجرامى لا يمكن تبريره واقعيًا أو دراميًا، حتى لو كان هو الحل الوحيد للهروب من قسوة العالم.
الفيلم تلمح فيه استخدام إضاءة تعبر ليس فقط عن تغير الزمن الواقعى ولكن النفسى الذى تعيشه (سولا)، وبأداء الممثلة واسمها أيضا (سولا بحرى) التى استحقت من مالمو جائزة أفضل ممثلة.
ليس مهمًا أن تعيش الحالة واقعيًا لتعبر عنها بصدق، أغلب من كابدوا الواقع لا يستطيعون تجسيده أمام الكاميرا، بينما وبدرجة كفاءة عالية أجادت سولا بحرى الدور.
الشريط السينمائى الذى رأيناه لا يعنى بالضبط أن تلك هى الحقيقة، فهو ليس فيلمًا وثائقيًا، ولكن اللمحة الدرامية عندما تستند إلى خط واقعى تحقق قدرًا استثنائيًا ووميضًا سحريًا، من الصدق والدهشة، وهذا هو بالضبط ما عبر عنه (سولا) فاستحق وعن جدارة جائزة (مالمو)!!.