بقلم: حنا صالح
لا تشبه برلمانيات 2022 في لبنان أي انتخابات سابقة، فالبرلمان الذي سينتخب اليوم أمامه استحقاقات كبيرة من انتخاب رئيس للجمهورية بعد أشهر قليلة، إلى الخيارات والتوجهات المالية والاقتصادية والسياسية، التي ستطبع مسار البلد وحياة اللبنانيين لعدة عقود، بعدما أوصل التحالف المافياوي الذي يقوده «حزب الله» البلد إلى جحيم. بطرفة عين استفاق الناس على الكارثة فتحول اللبنانيون من حياة البحبوحة إلى المجاعة ومن زمن اليسر إلى العسر، وتم إدراج اللبنانيين في خانة شعوب قوارب الموت!
كل الأطراف انخرطت في السباق الانتخابي وإلى حد كبير انتهى مفعول الدعوة لمقاطعة الجمهور السني بعدما تأكد أن إعلان سعد الحريري «تعليق» عمله السياسي يصب في طاحونة «حزب الله» وقد يمكنه من الاستيلاء على تمثيل العاصمة. غير أن جديد هذه الانتخابات يتمثل في انخراط معارضة ناشئة تشرينية رفضت الدولة – المزرعة، وتوحدت حول مهمة استعادة الدولة المخطوفة بالسلاح، وتمسكت باستعادة الدستور والقرار الوطني والقضاء المستقل وحماية الرغيف. فإما يسترد اللبنانيون الدولة، فتظهرُ صناديق الاقتراع والحالة الشعبية الإمكانية لكبح مخطط استكمال اقتلاع البلد، أو تُحكم الدويلة هيمنتها، وينتصر تحالف «كاريش» الذي استباح الحدود والحقوق وأهدى الثروة النفطية والغازية لإسرائيل!
تجري الانتخابات وسط ظروفٍ هي الأقسى والأصعب والأوضح إثر الانهيارات المبرمجة، باعتراف الأمم المتحدة، التي حولت لبنان إلى أرضٍ محروقة غير صالحة للعيش، فتتم بعد نحو من 3 سنوات على ثورة «17 تشرين»، التي وإن لم تسقط المنظومة المتسلطة فقد عرتها وكشفت فسادها السياسي والأخلاقي ودورها في تغطية اختطاف الدولة التي صارت ورقة في الأجندة الإيرانية. وتتم بعد أقل من سنتين على جريمة تفجير المرفأ وبيروت والدلالات التي تركتها، عندما توحدت أكثرية القوى السياسية وراء «حزب الله» لحماية «الحصانات»، وحماية «نظام الإفلات من العقاب» وتعطيل السلطة القضائية وتجويفها!
وتتم الانتخابات وفق قانون متصادم مع الدستور تم تفصيله على قياس المتحكمين من خلال بدعة الصوت التفضيلي الذي هو مذهب العملية برمتها، وتتم في ظل «سخاء» مالي غير مسبوق فيتم استغلال عوز الناس وحاجتهم، ويبتز «حزب الله» كل الآخرين بتقديم الرشاوى التي تطول نحو 300 ألف أسرة وفق ما ورد في تقرير «الجمعية اللبنانية لديمقراطية الانتخابات»، وهو أمر يعكس قلق كل التحالف المافياوي من حدوث كثافة مقترعين، وتصويت عقابي، بعد مشاهد اقتراع الخارج من دبي إلى باريس وسيدني وتورونتو وغيرها، الأمر الذي يهدد بشطب الكثير من آثار الرشاوى والضغوط والقانون الجائر!
وتتم الانتخابات بعد أيام على احتلال الشاشات من جانب أركان الطبقة السياسية، وأولهم حسن نصر الله. كلهم رفعوا الصوت والسبابة، وانتحر التواضع، فأصغرهم يملك الحلول السحرية لكل شيء فكيف أكبرهم، وطالبوا المواطنين بالتجديد لهم لأن الحلول بالانتظار! تحدثوا عن تضحياتهم وأطلقوا الوعود، فيما في بيوت البرد والحر ينام مئات الألوف على الطوى! ولم يعتذر أي متزعم عما لحق بالناس من إذلال وانتهاك للكرامات!
هناك نقمة غير مسبوقة وهناك حماس للمشاركة في العملية الانتخابية، والأمر الأكيد أن منظومة الحكم ما كانت لتذهب إلى الانتخابات لولا التيقن أن فوزها مضمون، وأن هذه الأوليغارشية الطائفية بحاجة للانتخابات «لتجمل مخالبها» وفق توصيف «الفيغارو»، وهم يراهنون أن المجال متاح لمحو ثورة تشرين وشطب مفاعيل الهواء النظيف الذي حملته، وأدخلت فئات واسعة من اللبنانيين كلاعبين سياسيين.
الفرصة متاحة لوصول وجوه شابة لا تساوم، وبلورة قوة شعبية على طريق قيام جبهة سياسية معارضة تستند إليها قوى التغيير، وباتت الخيارات واضحة بعدما نجحت القوى الشابة بتقديم لوائح مكتملة وهي تنفرد بخوض مواجهة مباشرة مع «حزب الله» في الجنوب عقر داره.